الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النشر في القراءات العشر ***
وَهِيَ الزَّوَائِدُ عَلَى الرَّسْمِ تَأْتِي فِي أَوَاخِرِ الْكَلِمِ. وَتَنْقَسِمُ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا حُذِفَ مِنْ آخِرِ اسْمٍ مُنَادًى، نَحْو {يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ}، {يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ}، {يَا عِبَادِيَ}، {يَا أَبَتِ}، {يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ}، {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ}، وَهَذَا الْقِسْمُ مِمَّا لَا خِلَافَ فِي حَذْفِ الْيَاءِ مِنْهُ فِي الْحَالَيْنِ وَالْيَاءُ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ يَاءُ إِضَافَةِ كَلِمَةٍ بِرَأْسِهَا اسْتُغْنِيَ بِالْكَسْرَةِ عَنْهَا، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ ذَلِكَ سِوَى مَوْضِعَيْنِ، بِلَا خِلَافٍ وَهُمَا {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا} فِي الْعَنْكَبُوتِ وَ{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} آخِرَ الزُّمَرِ، وَمَوْضِعٍ بِخِلَافٍ، وَهُوَ {يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ} فِي الزُّخْرُفِ وَتَقَدَّمَتِ الثَّلَاثَةُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ. وَالْقُرَّاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى حَذْفِ سَائِرِ ذَلِكَ إِلَّا مَوْضِعًا اخْتَصَّ بِهِ رُوَيْسٌ، وَهُوَ {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي تَقَعُ الْيَاءُ فِيهِ فِي الْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ نَحْو {الدَّاعِي}، وَ{الْجَوَارِي}، وَ{الْمُنَادِي}، وَ{التَّنَادِي}، وَ{يَأْتِيَ}، وَ{يَسْرِي}، وَ{يَتَّقِي}، وَ{يَبْغِي} فَهِيَ فِي هَذَا وَشِبْهِهِ لَامُ الْكَلِمَةِ وَتَكُونُ أَيْضًا يَاءُ إِضَافَةٍ فِي مَوْضِعِ الْجَرِّ وَالنَّصْبِ {دُعَائِي}، وَ{أَخَّرْتَنِي}، وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الْمَخْصُوصُ بِالذِّكْرِ فِي هَذَا الْبَابِ. وَضَابِطُهُ أَنْ تَكُونَ الْيَاءُ مَحْذُوفَةً رَسْمًا مُخْتَلِفًا فِي إِثْبَاتِهَا وَحَذْفِهَا وَصْلًا، أَوْ وَصْلًا وَوَقْفًا فَلَا يَكُونُ أَبَدًا بَعْدَهَا إِذَا ثَبَتَتْ سَاكِنَةً إِلَّا مُتَحَرِّكٌ. وَضَابِطُهُ مَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْوَقْفِ عَلَى أَوَاخِرِ الْكَلِمِ أَنْ تَكُونَ الْيَاءُ مُخْتَلَفًا فِي إِثْبَاتِهَا وَحَذْفِهَا فِي الْوَقْفِ فَقَطْ إِذْ لَا يَكُونُ بَعْدَهَا إِلَّا سَاكِنٌ. ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْقِسْمَ يَنْقَسِمُ أَيْضًا قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ: مَا يَكُونُ فِي حَشْوِ الْآيِ. وَالثَّانِي يَكُونُ فِي رَأْسِهَا. فَأَمَّا الَّذِي فِي حَشْوِ الْآيِ فَهُوَ خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ يَاءً مِنْهَا مَا الْيَاءُ فِيهِ أَصْلِيَّةٌ، وَهِيَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ يَاءً وَبَاقِيهَا، وَهُوَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ يَاءً وَقَعَتِ الْيَاءُ يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ زَائِدَةً فَالْيَاءُ الْأَصْلِيَّةُ {الدَّاعِيَ} فِي الْبَقَرَةِ مَوْضِعٌ، وَفِي الْقَمَرِ مَوْضِعَانِ وَ{يَوْمَ يَأْتِي} فِي هُودٍ وَ{الْمُهْتَدِي} فِي سُبْحَانَ وَالْكَهْفِ وَ{مَا كُنَّا نَبْغِي} فِي الْكَهْفِ وَ{الْبَادِي} فِي الْحَجِّ وَ{كَالْجَوَابِي} فِي سَبَأٍ وَالْجَوَارِي فِي عسق وَ{الْمُنَادِي} فِي ق وَ{نَرْتَعِي} فِي يُوسُفَ وَ{مَنْ يَتَّقِي} فِيهَا أَيْضًا. وَيَاءُ الْمُتَكَلِّمِ ثِنْتَانِ وَعِشْرُونَ يَاءً: وَهِيَ فِي الْبَقَرَةِ يَاءَانِ {إِذَا دَعَانِي}، {وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ}، وَفِي آلِ عِمْرَانَ يَاءَانِ} وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ}، {وَخَافُونِ إِنْ}، وَفِي الْمَائِدَةِ {وَاخْشَوْنِ وَلَا}، وَفِي الْأَنْعَامِ {وَقَدْ هَدَانِ وَلَا}، وَفِي الْأَعْرَافِ {ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا}، وَفِي هُودٍ يَاءَانِ {فَلَا تَسْأَلْنِ مَا} عِنْدَ مَنْ كَسَرَ النُّونَ {وَلَا تُخْزُونِ}، وَفِي يُوسُفَ {حَتَّى تُؤْتُونِ}، وَفِي إِبْرَاهِيمَ {بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ}، وَفِي الْإِسْرَاءِ {لَئِنْ أَخَّرْتَنِ}، وَفِي الْكَهْفِ أَرْبَعٌ، وَهِيَ {أَنْ يَهْدِينِ}، وَ{إِنْ تَرَنِ}، وَ{أَنْ يُؤْتِيَنِ}، وَ{أَنْ تُعَلِّمَنِ}، وَفِي طه {أَلَّا تَتَّبِعَنِ}، وَفِي النَّمْلِ مَوْضِعَانِ {أَتُمِدُّونَنِ}، وَ: {فَمَا آتَانِ اللَّهُ}، وَفِي الزُّمَرِ مَوْضِعَانِ {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ}، {فَبَشِّرْ عِبَادِ} فِي غَافِرٍ {اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ} وَفِي الزُّخْرُفِ {اتَّبِعُونِ هَذَا}. وَأَمَّا الَّتِي فِي رُءُوسِ الْآيِ فَسِتٌّ وَثَمَانُونَ يَاءً مِنْهَا خَمْسٌ أَصْلِيَّةٌ، وَهِيَ {الْمُتَعَالِ} فِي الرَّعْدِ وَ{التَّلَاقِ}، وَ{التَّنَادِ} فِي غَافِرٍ وَ{يَسْرِ}، وَ{بِالْوَادِ} فِي الْفَجْرِ. وَالْبَاقِي، وَهُوَ إِحْدَى وَثَمَانُونَ الْيَاءُ فِيهِ لِلْمُتَكَلِّمِ، وَهِيَ ثَلَاثٌ فِي الْبَقَرَةِ {فَارْهَبُونِ}، {فَاتَّقُونِ}، {وَلَا تَكْفُرُونِ}، وَفِي آلِ عِمْرَانَ {وَأَطِيعُونِ}، وَفِي الْأَعْرَافِ {فَلَا تُنْظِرُونِ}، وَفِي يُونُسَ مِثْلُهَا. وَفِي هُودٍ {ثُمَّ لَا تُنْظِرُونَ}، وَفِي يُوسُفَ ثَلَاثٌ {فَأَرْسِلُونِ}، {وَلَا تَقْرَبُونِ}، وَ{لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ}، وَفِي الرَّعْدِ ثَلَاثٌ {مَتَابِ}، وَ{عِقَابِ}، وَ{مَآبٍ}، وَفِي إِبْرَاهِيمَ ثِنْتَانِ {وَعِيدِ}، {وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}، وَفِي الْحِجْرِ ثِنْتَانِ {فَلَا تَفْضَحُونِ}، {وَلَا تُخْزُونِ}، وَفِي النَّحْلِ ثِنْتَانِ {فَاتَّقُونِ}، {فَارْهَبُونِ}، وَفِي الْأَنْبِيَاءِ ثَلَاثٌ {فَاعْبُدُونِ} مَوْضِعَانِ {فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ}، وَفِي الْحَجِّ {نَكِيرِ}، وَفِي الْمُؤْمِنِينَ سِتٌّ {بِمَا كَذَّبُونِ} مَوْضِعَانِ {فَاتَّقُونِ}، {أَنْ يَحْضُرُونِ}، {رَبِّ ارْجِعُونِ}، {وَلَا تُكَلِّمُونِ}، وَفِي الشُّعَرَاءِ سِتَّ عَشْرَةَ {أَنْ يُكَذِّبُونِ}، {أَنْ يَقْتُلُونِ}، {سَيَهْدِينِ}، {فَهُوَ يَهْدِينِ}، {وَيَسْقِينِ}، {فَهُوَ يَشْفِينِ}، {ثُمَّ يُحْيِينِ}، {وَأَطِيعُونِ} ثَمَانِيَةُ مَوَاضِعَ اثْنَتَانِ فِي قِصَّةِ نُوحٍ وَمِثْلُهَا فِي قِصَّةِ هُودٍ وَقِصَّةِ صَالِحٍ وَمَوْضِعُ قِصَّةِ لُوطٍ وَمِثْلُهُ فِي قِصَّةِ شُعَيْبٍ وَ{إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ}، وَفِي النَّمْلِ {حَتَّى تَشْهَدُونِ}، وَفِي الْقَصَصِ ثِنْتَانِ {أَنْ يَقْتُلُونِ}، {أَنْ يُكَذِّبُونِ}، وَفِي الْعَنْكَبُوتِ {فَاعْبُدُونِ}، وَفِي سَبَأٍ {نَكِيرِ}، وَفِي فَاطِرٍ مِثْلُهُ، وَفِي يس ثِنْتَانِ {لَا يُنْقِذُونِ}، {فَاسْمَعُونِ}، وَفِي الصَّافَاتِ ثِنْتَانِ {لَتُرْدِينِ}، {سَيَهْدِينِ}، وَفِي ص ثِنْتَانِ {عِقَابِ}، وَ{عَذَابِ}، وَفِي الزُّمَرِ {فَاتَّقُونِ}، وَفِي غَافِرٍ {عِقَابِ}، وَفِي الزُّخْرُفِ ثِنْتَانِ {سَيَهْدِينِ}، وَ{أَطِيعُونِ} وَالدُّخَانِ ثِنْتَانِ {أَنْ تَرْجُمُونِ}، {فَاعْتَزِلُونِ}، وَفِي ق ثِنْتَانِ {وَعِيدِ} كِلَاهُمَا. وَفِي الذَّارِيَاتِ ثَلَاثٌ {لِيَعْبُدُونِ}، وَ{أَنْ يُطْعِمُونِ}، {فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ}، وَفِي الْقَمَرِ سِتٌّ جَمِيعُهُنَّ {نُذُرِ} مَوْضِعٌ فِي قِصَّةِ نُوحٍ، وَكَذَا فِي قِصَّةِ هُودٍ وَمَوْضِعَانِ فِي قِصَّةِ صَالِحٍ، وَكَذَا فِي قِصَّةِ لُوطٍ. وَفِي الْمُلْكِ ثِنْتَانِ {نَذِيرِ}، {وَنَكِيرِ}، وَفِي نُوحٍ {وَأَطِيعُونِ}، وَفِي الْمُرْسَلَاتِ {فَكِيدُونِ}، وَفِي الْفَجْرِ ثِنْتَانِ {أَكْرَمَنِ}، وَ{أَهَانَنِ}، وَفِي الْكَافِرِينَ {وَلِيَ دِينِ} فَالْجُمْلَةُ مِائَةٌ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ يَاءً اخْتَلَفُوا فِي إِثْبَاتِهَا وَحَذْفِهَا كَمَا سَنُبَيِّنُ، وَإِذَا أُضِيفَ إِلَيْهَا {تَسْأَلُنِي} فِي الْكَهْفِ تَصِيرُ مِائَةً وَاثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ يَاءً وَلَهُمْ فِي إِثْبَاتِ هَذِهِ الْيَاءَاتِ وَحَذْفِهَا قَوَاعِدُ نَذْكُرُهَا. فَأَمَّا نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ فَقَاعِدَتُهُمْ إِثْبَاتُ مَا يُثْبِتُونَ بِهِ مِنْهَا وَصْلًا لَا وَقْفًا. وَأَمَّا ابْنُ كَثِيرٍ وَيَعْقُوبُ فَقَاعِدَتُهُمَا الْإِثْبَاتُ فِي الْحَالَيْنِ، وَالْبَاقُونَ، وَهُمْ: ابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَخَلَفٌ، فَقَاعِدَتُهُمَا الْحَذْفُ فِي الْحَالَيْنِ، وَرُبَّمَا خَرَجَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ. فَأَمَّا اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ وَنَبْدَأُ، أَوَّلًا بِمَا وَقَعَ فِي وَسَطِ الْآيِ فَنَقُولُ: إِنَّ نَافِعًا وَابْنَ كَثِيرٍ وَأَبَا عَمْرٍو وَأَبَا جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبَ، وَهَؤُلَاءِ الْخَمْسَةُ اتَّفَقُوا عَلَى إِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي أَحَدَ عَشَرَ مَوْضِعًا، وَهِيَ {أَخَّرْتَنِ} فِي الْإِسْرَاءِ، {وَيَهْدِينِ}، {وَتُعَلِّمَنِ}، {وَيُؤْتِينِ} وَثَلَاثَتُهَا فِي الْكَهْفِ. {وَالْجِوَارِ} فِي عسق {وَالْمُنَادِ} فِي ق، {وَإِلَى الدَّاعِ} فِي الْقَمَرِ، {وَيَسْرِ} فِي الْفَجْرِ، وَكَذَلِكَ {أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ} فِي طه وَكَذَلِكَ {يَأْتِ} فِي هُودٍ. {وَنَبْغِ} فِي الْكَهْفِ وَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْأَحَدَ عَشَرَ عَلَى قَوَاعِدِهُمُ الْمُتَقَدِّمَةُ إِلَّا أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ فَتَحَ الْيَاءَ وَصْلًا مِنْ {أَلَّا تَتَّبِعَنِ} وَأَثْبَتَهَا فِي الْوَقْفِ. وَوَافَقَهُمُ الْكِسَائِيُّ فِي الْحَرْفَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ، وَهُمَا {يَأْتِ}، {وَنَبْغِ} عَلَى قَاعِدَتِهِ فِي الْوَصْلِ. وَوَقَعَتِ الْيَاءُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْعَشَرَةِ فِي وَسَطِ الْآيِ إِلَّا {يَسْرِ} فَإِنَّهَا مِنْ رُءُوسِ الْآيِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَاتَّفَقَ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورُونَ أَوَّلًا وَمَعَهُمْ حَمْزَةُ عَلَى إِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي {أَتُمِدُّونَنِي بِمَالٍ} فِي النَّمْلِ عَلَى قَاعِدَتِهِمُ الْمَذْكُورَةِ إِلَّا أَنَّ حَمْزَةَ خَالَفَ أَصْلَهُ فَأَثْبَتَهَا فِي الْحَالَيْنِ مِثْلَ ابْنِ كَثِيرٍ وَيَعْقُوبَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ اتِّفَاقُ حَمْزَةَ وَيَعْقُوبَ عَلَى إِدْغَامِ النُّونِ مِنْهَا فِي آخِرِ بَابِ الْإِدْغَامِ الْكَبِيرِ وَاتَّفَقَ الْخَمْسَةُ أَيْضًا سِوَى الْأَزْرَقِ عَنْ وَرْشٍ عَلَى الْإِثْبَاتِ فِي حَرْفَيْنِ، وَهُمَا {إِنْ تَرَنِ} فِي الْكَهْفِ {وَاتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ} فِي غَافِرٍ عَلَى قَاعِدَتِهِمُ الْمَذْكُورَةِ، وَاتَّفَقَ الْخَمْسَةُ أَيْضًا سِوَى قَالُونَ عَلَى الْيَاءِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ {الْبَادِ} فِي الْحَجِّ عَلَى أُصُولِهِمْ. وَاتَّفَقَ هَؤُلَاءِ سِوَى أَبِي جَعْفَرٍ- أَعْنِي ابْنَ كَثِيرٍ وَأَبَا عَمْرٍو وَيَعْقُوبَ وَوَرْشًا- عَلَى إِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَهِيَ {كَالْجَوَابِ} فِي سَبَأٍ عَلَى أُصُولِهِمْ، وَانْفَرَدَ الْحَنْبَلِيُّ عَنْ هِبَةِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ وَرْدَانَ بِإِثْبَاتِهَا، وَقَدْ تَابَعَهُ الْأَهْوَازِيُّ عَلَى ذَلِكَ فَخَالَفَ سَائِرَ الرُّوَاةِ فِي ذَلِكَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاتَّفَقَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ عَلَى الْإِثْبَاتِ فِي {تَأْتُونِ} فِي يُوسُفَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أُصُولِهِمْ إِلَّا أَنَّ الْهُذَلِيَّ ذَكَرَ عَنِ ابْنِ شَنَبُوذَ فِي رِوَايَةِ قُنْبُلٍ حَذْفَهَا فِي الْوَقْفِ، وَهُوَ وَهْمٌ. وَاتَّفَقَ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ وَوَرْشٌ وَالْبَزِّيُّ، عَلَى الْإِثْبَاتِ فِي {يَدَعُ الدَّاعِي إِلَى}، وَهُوَ الْأَوَّلُ مِنَ الْقَمَرِ، وَذَكَرَ الْهُذَلِيُّ الْإِثْبَاتَ أَيْضًا عَلَى قُنْبُلٍ، وَهُوَ وَهْمٌ. وَاتَّفَقَ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ وَوَرْشٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ فِي {الدَّاعِ إِذَا دَعَانِي} كِلَيْهِمَا فِي الْبَقَرَةِ. وَاخْتَلَفَ الَّذِي فِي التَّيْسِيرِ، وَالْكَافِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَالتَّلْخِيصَيْنِ، وَالْإِرْشَادِ، وَالْكِفَايَةِ الْكُبْرَى، وَالْغَايَةِ، وَغَيْرِهَا. وَقَطَعَ بِالْإِثْبَاتِ فِيهِمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَشِيطٍ الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ، وَفِي غَايَتِهِ، وَأَبُو مُحَمَّدٍ فِي مُبْهِجِهِ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْعُثْمَانِيِّ عَنْ قَالُونَ، وَقَطَعَ بَعْضُهُمْ لَهُ بِالْإِثْبَاتِ فِي {الدَّاعِ} وَالْحَذْفِ فِي {دَعَانِ}، وَهُوَ الَّذِي فِي الْكِفَايَةِ فِي السِّتِّ، وَالْجَامِعِ لِابْنِ فَارِسٍ وَالْمُسْتَنِيرِ، وَالتَّجْرِيدِ، مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَشِيطٍ، وَفِي الْمُبْهِجِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ بُويَانَ عَنْ أَبِي نَشِيطٍ وَعَكَسَ آخَرُونَ فَقَطَعُوا لَهُ بِالْحَذْفِ فِي {الدَّاعِ} وَالْإِثْبَاتِ فِي {دَعَانِ}، وَهُوَ الَّذِي فِي التَّجْرِيدِ مِنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ، وَهِيَ طَرِيقُ أَبِي عَوْنٍ، وَبِهِ قَطَعَ أَيْضًا صَاحِبُ الْعُنْوَانِ. قُلْتُ: وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ عَنْ قَالُونَ إِلَّا أَنَّ الْحَذْفَ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَذَكَرَ فِي الْمُبْهِجِ الْإِثْبَاتَ فِي {الدَّاعِ} مِنْ طَرِيقِ الشَّذَائِيِّ عَنِ ابْنِ شَنَبُوذَ عَنْ قُنْبُلٍ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَذَكَرَ ابْنُ شَنَبُوذَ عَنْ وَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ الْحَذْفَ فِي {دَعَانِ} قَالَ الدَّانِيُّ: وَهُوَ غَلَطٌ مِنْهُ. قُلْتُ: قَالَهُ فِي الْكَامِلِ، وَلَا يُؤْخَذُ بِهِ. وَاتَّفَقَ نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ عَلَى الْإِثْبَاتِ فِي {الْمُهْتَدِ} فِي الْإِسْرَاءِ وَالْكَهْفِ عَلَى أُصُولِهِمْ. وَذَكَرَ فِي الْمُسْتَنِيرِ، وَالْجَامِعِ لِابْنِ شَنَبُوذَ عَنْ قُنْبُلٍ إِثْبَاتَهَا فِيهِمَا وَصْلًا وَعَدُّوهُمَا وَاتَّفَقَ أَبُو عَمْرٍو، وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ وَوَرْشٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ فِي {تَسْئَلَنِ} فِي هُودٍ. وَانْفَرَدَ فِي الْمُبْهِجِ بِإِثْبَاتِهَا عَنْ أَبِي نَشِيطٍ فَخَالَفَ سَائِرَ الرُّوَاةِ عَنْهُ، وَهُمْ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى أُصُولِهِمْ. وَاتَّفَقَ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ عَلَى إِثْبَاتِ ثَمَانِي يَاءَاتٍ، وَهِيَ {وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} فِي الْبَقَرَةِ، {وَخَافُونِ إِنْ} فِي آلِ عِمْرَانَ {وَاخْشَوْنِ وَلَا} فِي الْمَائِدَةِ، {وَقَدْ هَدَانِ} فِي الْأَنْعَامِ وَ{ثُمَّ كِيدُونِ} فِي الْأَعْرَافِ {وَلَا تُخْزُونِ} فِي هُودٍ، {وَبِمَا أَشْرَكْتُمُونِ} فِي إِبْرَاهِيمَ، {وَاتَّبِعُونِ هَذَا}. فِي الزُّخْرُفِ وَهُمْ فِيهَا عَلَى أُصُولِهِمْ. وَوَافَقَهُمْ هِشَامٌ فِي كِيدُونِ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ فَقَطَعَ لَهُ الْجُمْهُورُ بِالْيَاءِ فِي الْحَالَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْكَافِي وَالتَّبْصِرَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْعُنْوَانِ، وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصَيْنِ، وَالْمُفِيدِ، وَالْكَامِلِ، وَالْمُبْهِجِ وَالْغَايَتَيْنِ، وَالتَّذْكِرَةِ، وَغَيْرِهَا. وَكَذَا فِي التَّجْرِيدِ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى الْفَارِسِيِّ يَعْنِي مِنْ طَرِيقَيِ الْحُلْوَانِيِّ وَالدَّاجُونِيِّ جَمِيعًا عَنْهُ، وَبِذَلِكَ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى شَيْخِهِ أَبِي الْفَتْحِ وَأَبِي الْحَسَنِ مِنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ عَنْهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي جَامِعِهِ، وَهُوَ الَّذِي فِي طُرُقِ التَّيْسِيرِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ مِنَ التَّيْسِيرِ بِسِوَاهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ حَكَى فِيهَا خِلَافًا عَنْهُ فَإِنَّ ذِكْرَهُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ. وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُفْرَدَاتِ مَا نَصُّهُ: قَرَأَ يَعْنِي هِشَامًا {ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا} بِيَاءٍ ثَابِتَةٍ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ، وَفِيهِ خِلَافٌ عَنْهُ وَبِالْأَوَّلِ آخُذُ انْتَهَى. وَإِذَا كَانَ يَأْخُذُ بِالْإِثْبَاتِ فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْ طَرِيقِهِ بِغَيْرِ مَا كَانَ يَأْخُذُ، وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُسْتَنِيرِ، وَالْكِفَايَةِ مِنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ، وَرَوَى الْآخَرُونَ عَنْهُ الْإِثْبَاتَ فِي الْوَصْلِ دُونَ الْوَقْفِ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْ عَنْهُ ابْنُ فَارِسٍ فِي الْجَامِعِ سِوَاهُ، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ فِي الْمُسْتَنِيرِ وَالْكِفَايَةِ عَنِ الدَّاجُونِيِّ عَنْهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ عِبَارَةِ أَبِي عَمْرٍو الدَّانِيِّ فِي الْمُفْرَدَاتِ حَيْثُ قَالَ: بِيَاءٍ ثَابِتَةٍ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ ثُمَّ قَالَ: وَفِيهِ خِلَافٌ عَنْهُ إِنْ جَعَلْنَا ضَمِيرًا، وَفِيهِ عَائِدٌ عَلَى الْوَقْفِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي التَّيْسِيرِ إِنْ أُخِذَ بِهِ وَبِمُقْتَضَى هَذَا يَكُونُ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنَ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الشَّاطِبِيَّةِ فِي هُوَ هَذَا عَلَى أَنَّ إِثْبَاتَ الْخِلَافِ مِنْ طَرِيقِ الشَّاطِبِيَّةِ غَايَةِ الْبُعْدِ وَكَأَنَّهُ تَبِعَ فِيهِ ظَاهِرَ التَّيْسِيرِ فَقَطْ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْهُ الْحَذْفَ فِي الْحَالَيْنِ، وَلَا أَعْلَمُهُ نَصًّا مِنْ طُرُقِ كِتَابِنَا لِأَحَدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَلَكِنَّهُ ظَاهِرُ التَّجْرِيدِ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي يَعْنِي مِنْ طَرِيقِ الْحُلْوَانِيِّ نَعَمْ هِيَ رِوَايَةُ ابْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هِشَامٍ نَصًّا، وَرِوَايَةُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي حَسَّانٍ وَأَحْمَدَ بْنِ أَنَسٍ أَيْضًا، وَغَيْرُهُمْ عَنْهُ. قُلْتُ: وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ صَحِيحَانِ عَنْهُ نَصًّا وَأَدَاءً حَالَةَ الْوَقْفِ. وَأَمَّا حَالَةُ الْوَصْلِ فَلَا آخُذُ بِغَيْرِ الْإِثْبَاتِ مِنْ طُرُقِ كِتَابِنَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَى بَعْضُ أَئِمَّتِنَا إِثْبَاتَ الْيَاءِ فِيهَا وَصْلًا عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ، وَهُوَ الَّذِي فِي تَلْخِيصِ ابْنِ بَلِّيمَةَ وَجْهًا وَاحِدًا فَقَالَ فِيهِ: وَابْنُ ذَكْوَانَ كَأَبِي عَمْرٍو، وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ: وَعَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ الْحَذْفُ فِي الْحَالَيْنِ وَالْإِثْبَاتُ فِي الْوَصْلِ، وَكَذَا فِي الْهَادِي، وَقَالَ فِي التَّبْصِرَةِ: وَالْأَشْهُرُ عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ الْحَذْفُ وَبِهِ قَرَأْتُ لَهُ، وَرَوَى عَنْهُ إِثْبَاتَهَا. قُلْتُ: وَإِثْبَاتُهَا عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ بْنِ يُوسُفَ وَرُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى أَيُّوبَ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي الْكِتَابِ وَالْقِرَاءَةِ. وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ هَذَا هُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَكَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ صَاحِبُ أَيُّوبَ بْنِ تَمِيمٍ شَيْخِ ابْنِ ذَكْوَانَ، وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ يَعْنِي فِي الْمُصْحَفِ فَإِنَّ الْيَاءَ فِي هَذَا الْحَرْفِ ثَابِتَةٌ فِي الْمُصْحَفِ الْحِمْصِيِّ. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ وَالْحَذْفُ عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ، وَبِهِ آخُذُ وَاللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. وَرَوَى بَعْضُهُمْ أَيْضًا إِثْبَاتَ الْيَاءِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الثَّمَانِيَةِ عَنِ ابْنِ شَنَبُوذَ عَنْ قُنْبُلٍ وَاضْطَرَبُوا عَنْهُ فِي ذَلِكَ فَنَصَّ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي كِفَايَتِهِ عَلَى الْإِثْبَاتِ عَنْهُ وَصْلًا فِي {وَاتَّقُونِ}، وَنَصَّ فِي الْمُبْهِجِ عَلَى إِثْبَاتِهَا لَهُ فِي الْحَالَيْنِ، وَكَذَلِكَ قَطَعَ فِي كِفَايَتِهِ عَلَى إِثْبَاتِ {أَشْرَكْتُمُونِ} فِي الْوَصْلِ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي الْمُبْهِجِ، وَكَذَلِكَ قَطَعَ فِي الْمُبْهِجِ عَنْهُ بِإِثْبَاتِ كِيدُونِ فِي الْحَالَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي كِفَايَتِهِ، وَقَطَعَ لَهُ بِإِثْبَاتِ وَتُخْزُونِ فِي الْحَالَيْنِ فِي الْكِفَايَةِ، وَلَمْ يَذْكُرْهَا فِي الْمُبْهِجِ وَاتَّفَقَ نَصُّ الْمُبْهِجِ وَالْكِفَايَةِ عَلَى الْإِثْبَاتِ عَنْهُ فِي الْحَالَيْنِ فِي {خَافُونِ}، {وَاخْشَوْنِ}، وَعَلَى حَذْفِ {وَاتَّبِعُونِ} وَاتَّفَقَ ابْنُ سَوَّارٍ، وَابْنُ فَارِسٍ عَلَى إِثْبَاتِ {خَافُونِ}، {وَاخْشَوْنِ}، وَ{هَدَانِ}، {وَكِيدُونِ}، وَ{تُخْزُونِ} فِي الْحَالَيْنِ وَ{اتَّبِعُونِ} عَلَى إِثْبَاتِ {أَشْرَكْتُمُونِ} وَصْلًا لَا وَقْفًا. وَاخْتُلِفَ فِي {فَاتَّقُونِ} فَأَثْبَتَهَا فِي الْحَالَيْنِ وَحَذَفَهَا ابْنُ سَوَّارٍ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا عَنْهُ فِي حَرْفِ {الُمُهْتَدِ}، وَفِي {الْمُتَعَالِ}، وَ{عَذَابِ}، وَ{عِقَابِ}، وَ{فَاعْتَزِلُونِ}، وَ{تَرْجُمُونِ} فَبَعْضُهُمْ ذَكَرَهَا لَهُ وَبَعْضُهُمْ لَمْ يَذْكُرْهَا وَأَثْبَتَهَا بَعْضُهُمْ وَصْلًا وَبَعْضُهُمْ فِي الْحَالَيْنِ، وَلَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِي الِاخْتِلَالَ وَالِاضْطِرَابَ، وَقَدْ نَصَّ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْيَاءَاتِ غَلَطٌ قَطَعَ بِذَلِكَ وَجَزَمَ بِهِ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ غَيْرُهُ. وَقَالَ الْهُذَلِيُّ: كُلُّهُ فِيهِ خَلَلٌ. قُلْتُ: وَالَّذِي أُعَوِّلُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ هُوَ مَا عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَصَحَّ عَنْ قُنْبُلٍ، وَنَصَّ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْمَوْثُوقُ بِهِمْ وَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْهَادِي لِلصَّوَابِ. وَانْفَرَدَ الْهُذَلِيُّ عَنِ الشَّذَائِيِّ عَنْ أَبِي نَشِيطٍ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي {وَاتَّبِعُونِ} فَخَالَفَ سَائِرَ النَّاسِ عَنْهُ، وَعَنْ أَبِي نَشِيطٍ، وَإِنَّمَا وَرَدَ ذَلِكَ عَنْ قَالُونَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَرْوَانَ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَاخْتَصَّ رُوَيْسٌ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ مِنَ الْمُنَادِي فِي قَوْلِهِ: {يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} فِي الزُّمَرِ أَعْنِي الْيَاءَ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ، وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْإِرْشَادِ وَالْكِفَايَةِ وَغَايَةِ أَبِي الْعَلَاءِ، وَالْمُسْتَنِيرِ، وَالْجَامِعِ، وَالْمُبْهِجِ، وَغَيْرِهَا. وَوَجْهُ إِثْبَاتِهَا خُصُوصًا مُنَاسَبَةُ {فَاتَّقُونِ}. وَرَوَى الْآخَرُونَ عَنْهُ الْحَذْفَ، وَأَجْرُوهُ مُجْرَى سَائِرِ الْمُنَادَى، وَهُوَ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ مِهْرَانَ فِي غَايَتِهِ، وَابْنُ غَلْبُونَ فِي تَذْكِرَتِهِ، وَأَبُو مَعْشَرٍ فِي تَلْخِيصِهِ، وَصَاحِبُ الْمُفِيدِ، وَالْحَافِظُ، وَأَبُو عَمْرو الدَّانِيُّ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ الْقِيَاسُ وَبِالْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا آخُذُ لِثُبُوتِهِمَا رِوَايَةً وَأَدَاءً وَقِيَاسًا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَاخْتَصَّ قُنْبُلُ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي مَوْضِعَيْنِ، وَهُمَا: {نَرْتَعِي وَنَلْعَبْ}، وَ{يَتَّقِي وَيَصْبِرْ} كِلَاهُمَا فِي يُوسُفَ وَهُمَا مِنَ الْأَفْعَالِ الْمَجْزُومَةِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ الْمَجْزُومِ سِوَاهُمَا، وَفِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَا مِنْ هَذَا الْبَابِ مِنْ كَوْنِ حَذْفِ الْيَاءِ مِنْهَا لَازِمًا لِلْجَازِمِ، وَإِنَّمَا أَدْخَلْنَاهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ لِأَجْلِ كَوْنِهِمَا مَحْذُوفَيِ الْيَاءِ رَسْمًا ثَابِتَيْنِ فِي قِرَاءَةِ مَنْ رَوَاهُمَا لَفْظًا فَلَحِقَا فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ قُنْبُلٍ. فَأَمَّا {نَرْتَعِي} فَأَثْبَتَ الْيَاءَ فِيهَا عَنْهُ ابْنُ شَنَبُوذَ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ، وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي رَبِيعَةَ وَابْنِ الصَّبَاحِ وَابْنِ بَقَرَةَ وَالزَّيْنَبِيِّ وَنَظِيفٍ وَغَيْرِهِمْ عَنْهُ. وَرَوَى عَنْهُ الْحَذْفَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ، وَهِيَ رِوَايَةُ الْعَبَّاسِ بْنِ الْفَضْلِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْبَلْخِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْيَقْطِينِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَابْنِ ثَوْبَانَ، وَغَيْرِهِمْ، وَالْوَجْهَانِ جَمِيعًا صَحِيحَانِ عَنْ قُنْبُلٍ، وَهُمَا فِي التَّيْسِيرِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْإِثْبَاتُ لَيْسَ مِنْ طَرِيقِهِمَا، وَهَذَا مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا التَّيْسِيرُ عَنْ طُرُقِهِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا {يَتَّقِي} فَرَوَى إِثْبَاتَ الْيَاءِ فِيهَا عَنْ قُنْبُلٍ ابْنُ مُجَاهِدٍ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ إِلَّا مَا شَذَّ مِنْهَا وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ فِي التَّيْسِيرِ، وَالْكَافِي، وَالتَّذْكِرَةِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالتَّجْرِيدِ، وَالْهِدَايَةِ، وَغَيْرِهَا سِوَاهُ، وَهِيَ طَرِيقُ أَبِي رَبِيعَةَ وَابْنِ الصَّبَاحِ وَابْنِ ثَوْبَانَ، وَغَيْرِهِمْ كُلُّهُمْ عَنْ قُنْبُلٍ، وَرَوَى حَذْفَهَا ابْنُ شَنَبُوذَ، وَهِيَ رِوَايَةُ الزَّيْنَبِيِّ وَابْنِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَالْيَقْطِينِيِّ، وَغَيْرِهِمْ عَنْهُ. وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ عَنْهُ إِلَّا أَنَّ ذِكْرَ الْحَذْفِ فِي الشَّاطِبِيَّةِ خُرُوجٌ عَنْ طُرُقِهِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَوَجْهُ إِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي هَذَيْنِ الْحَرْفَيْنِ مَعَ كَوْنِهِمَا مَجْزُومَيْنِ إِجْرَاءُ الْفِعْلِ الْمُعْتَلِّ مُجْرَى الصَّحِيحِ، وَذَلِكَ لُغَةٌ لِبَعْضِ الْعَرَبِ وَأَنْشَدُوا عَلَيْهِ: أَلَمْ يَأْتِيكَ وَالْأَنْبَاءُ تَنْمِي *** وَقِيلَ: إِنَّ الْكَسْرَةَ أُشْبِعَتْ فَتَوَلَّدَ مِنْهَا الْيَاءُ. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَهَذَا جَمِيعُ مَا وَقَعَتِ الْيَاءُ فِي وَسَطِ آيَةٍ قَبْلَ مُتَحَرِّكٍ وَبَقِيَ مَعَ ذَلِكَ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ وَقَعَ بَعْدَ الْيَاءِ فِيهِنَّ سَاكِنٌ، وَهِيَ {آتَانِ اللَّهُ} فِي النَّمْلِ {وَإِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ} فِي يس {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ} فِي الزُّمَرِ أَمَّا {آتَانِ اللَّهُ} فَأَثْبَتَ الْيَاءَ فِيهَا مَفْتُوحَةً وَصْلًا نَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو وَأَبُو جَعْفَرٍ وَحَفْصٌ وَرُوَيْسٌ، وَحَذَفَهَا الْبَاقُونَ فِي الْوَصْلِ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ. وَاخْتَلَفُوا فِي: إِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي الْوَقْفِ فَأَثْبَتَهَا يَعْقُوبُ وَابْنُ شَنَبُوذَ عَنْ قُنْبُلٍ. وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَقَالُونَ وَحَفْصٍ فَقَطَعَ فِي الْوَقْفِ بِالْيَاءِ أَبُو مُحَمَّدٍ مَكِّيٌّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ بَلِّيمَةَ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ غَلْبُونَ، وَغَيْرُهُمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُجَاهِدٍ وَأَبِي طَاهِرِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ، وَأَبِي الْفَتْحِ فَارِسٍ لِمَنْ فَتَحَ الْيَاءَ، وَقَطَعَ لَهُمْ بِالْحَذْفِ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ، وَهُوَ الَّذِي فِي الْإِرْشَادَيْنِ، وَالْمُسْتَنِيرِ، وَالْجَامِعِ، وَالْعُنْوَانِ، وَغَيْرِهَا. وَأَطْلَقَ لَهُمُ الْخِلَافَ فِي التَّيْسِيرِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَالتَّجْرِيدِ، وَغَيْرِهَا. وَقَدْ قَيَّدَ الدَّانِيُّ بَعْضَ إِطْلَاقِ التَّيْسِيرِ فِي الْمُفْرَدَاتِ، وَغَيْرِهَا. فَقَالَ فِي الْمُفْرَدَاتِ فِي قِرَاءَةِ أَبِي عَمْرٍو وَأَثْبَتَهَا سَاكِنَةً فِي الْوَقْفِ عَلَى خِلَافٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، وَبِالْإِثْبَاتِ قَرَأْتُ، وَبِهِ آخُذُ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَفْصٍ: وَاخْتُلِفَ عَلَيْنَا عَنْهُ فِي إِثْبَاتِهَا فِي الْوَقْفِ، فَرَوَى لِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ إِثْبَاتَهَا فِيهِ، وَكَذَا رَوَى أَبُو الْحَسَنِ عَنْ قِرَاءَتِهِ، وَكَذَلِكَ رَوَى لِي عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي غَسَّانٍ عَنْ أَبِي طَاهِرٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى يَعْنِي ابْنَ مُجَاهِدٍ. وَرَوَى لِي فَارِسُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ قِرَاءَتِهِ أَيْضًا حَذْفَهَا فِيهِ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ قَالُونَ: يَقِفُ عَلَيْهَا بِالْيَاءِ ثَابِتَةً، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ فِي الْكَافِي: رَوَى الْأَشْنَائِيُّ عَنْ حَفْصٍ إِثْبَاتَهَا فِي الْوَقْفِ، وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَقَالُونَ. وَقَالَ فِي التَّجْرِيدِ: وَالْوَقْفُ عَنِ الْجَمَاعَةِ بِغَيْرِ يَاءٍ يَعْنِي الْجَمَاعَةَ الْفَاتِحِينَ لِلْيَاءِ وَصْلًا. قَالَ: إِلَّا مَا رَوَاهُ الْفَارِسِيُّ أَنَّ أَبَا طَاهِرٍ رَوَى عَنْ حَفْصٍ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَيْهَا بِيَاءٍ. قَالَ: وَذَكَرَ عَبْدُ الْبَاقِي أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ فِي حِينِ قِرَاءَتِهِ عَلَيْهِ أَنَّ مَنْ فَتَحَ الْيَاءَ وَقَفَ عَلَيْهَا بِيَاءٍ. انْتَهَى. وَلَمْ يَذْكُرْ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي كِفَايَتِهِ الْإِثْبَاتَ فِي الْوَقْفِ لِغَيْرِ حَفْصٍ. وَوَقَفَ الْبَاقُونَ بِغَيْرِ يَاءِ، وَهُمْ وَرْشٌ وَالْبَزِّيُّ وَابْنُ مُجَاهِدٍ عَنْ قُنْبُلٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَخَلَفٌ. وَانْفَرَدَ صَاحِبُ الْمُبْهِجِ مِنْ طَرِيقِ الشَّذَائِيِّ عَنِ ابْنِ شَنَبُوذَ عَنْ قُنْبُلٍ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَصْلًا أَيْضًا كَرُوَيْسٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ لِابْنِ شَنَبُوذَ فِي كِفَايَتِهِ إِثْبَاتًا فِي الْوَقْفِ فَخَالَفَ سَائِرَ الرُّوَاةِ. وَأَمَّا {إِنْ يُرِدْنِ} فَأَثْبَتَ الْيَاءَ فِيهَا مَفْتُوحَةً فِي الْوَصْلِ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَثْبَتَهَا سَاكِنَةً فِي الْوَقْفِ أَبُو جَعْفَرٍ أَيْضًا هَذَا الَّذِي تَوَافَرَتْ نُصُوصُ الْمُؤَلِّفِينَ عَلَيْهِ عَنْهُ وَبَعْضُ النَّاسِ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ شَيْئًا فِي الْوَقْفِ بَعْضُهُمْ جَعَلَهُ قِيَاسًا. وَتَقَدَّمَ مَذْهَبُ يَعْقُوبَ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهَا بِالْيَاءِ مِنْ بَابِ الْوَقْفِ وَحَذَفَهَا الْبَاقُونَ فِي الْحَالَيْنِ. وَأَمَّا {فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ} فَاخْتَصَّ السُّوسِيُّ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا وَصْلًا بِخِلَافٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ فَقَطَعَ لَهُ بِالْفَتْحِ وَالْإِثْبَاتِ حَالَةَ الْوَصْلِ صَاحِبُ التَّيْسِيرِ، وَمَنْ تَبِعَهُ، وَبِهِ قَرَأَ عَلَى فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلِ الْقُرَشِيِّ لَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جَرِيرٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُفْرَدَاتِ فَهُوَ فِي ذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ طَرِيقِ التَّيْسِيرِ. وَقَطَعَ لَهُ بِذَلِكَ أَيْضًا الْحَافِظُ أَبُو الْعَلَاءِ وَأَبُو مَعْشَرٍ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَضَرِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مِهْرَانَ، وَقَطَعَ لَهُ بِذَلِكَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبَشٍ، وَهُوَ الَّذِي فِي كِفَايَةِ أَبِي الْعِزِّ، وَمُسْتَنِيرِ ابْنِ سَوَّارٍ وَجَامِعِ ابْنِ فَارِسٍ وَتَجْرِيدِ ابْنِ الْفَحَّامِ، وَغَيْرِهَا. وَرَوَاهُ صَاحِبُ الْمُبْهِجِ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ الْمُطَّوِّعِيِّ وَهَذِهِ طَرِيقُ أَبِي حَمْدُونَ وَابْنِ وَاصِلٍ وَابْنِ سَعْدُونَ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ الْيَزِيدِيِّ وَرِوَايَةِ شُجَاعٍ وَالْعَبَّاسِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو. وَاخْتُلِفَ فِي الْوَقْفِ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَثْبَتُوا الْيَاءَ وَصْلًا، فَرَوَى عَنْهُمُ الْجُمْهُورُ الْإِثْبَاتَ أَيْضًا فِي الْوَقْفِ كَالْحَافِظِ أَبِي الْعَلَاءِ وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ فَارِسٍ وَسِبْطِ الْخَيَّاطِ وَأَبِي الْعِزِّ الْقَلَانِسِيِّ، وَغَيْرِهِمْ. وَرَوَى الْآخَرُونَ حَذْفَهَا، وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ التَّجْرِيدِ، وَغَيْرُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُسْتَنِيرِ، وَقَطَعَ بِهِ الدَّانِيُّ أَيْضًا فِي التَّيْسِيرِ، وَقَالَ: هُوَ عِنْدِي قِيَاسُ قَوْلِ أَبِي عَمْرٍو فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمَرْسُومِ. وَقَالَ فِي الْمُفْرَدَاتِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْفَتْحَ: وَالْإِثْبَاتَ فِي الْوَصْلِ فَالْوَقْفُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ، وَيَجُوزُ حَذْفُهَا وَالْإِثْبَاتُ أَقْيَسُ، فَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي التَّيْسِيرِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ فِي التَّنْبِيهَاتِ آخِرَ الْبَابِ، وَقَالَ ابْنُ مِهْرَانَ: وَقِيَاسُ مَنْ فَتَحَ الْيَاءَ أَنْ يَقِفَ بِالْيَاءِ وَلَكِنْ ذَكَرَ أَبُو حَمْدُونَ وَابْنُ الْيَزِيدِيِّ أَنَّهُ يَقِفُ بِغَيْرِ يَاءٍ لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ بِغَيْرِ يَاءٍ، وَذَهَبَ الْبَاقُونَ عَنِ السُّوسِيِّ إِلَى حَذْفِ الْيَاءِ وَصْلًا وَوَقْفًا، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ فِي الْعُنْوَانِ وَالتَّذْكِرَةِ، وَالْكَافِي، وَتَلْخِيصِ الْعِبَارَاتِ، وَهُوَ الْمَأْخُوذُ بِهِ مِنَ التَّبْصِرَةِ، وَالْهِدَايَةِ، وَالْهَادِي، وَأَبُو عَلِيٍّ الْأَهْوَزِيُّ، وَهُوَ طَرِيقُ أَبِي عِمْرَانَ وَابْنِ جُمْهُورٍ كِلَاهُمَا عَنِ السُّوسِيِّ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ بْنِ غَلْبُونَ فِي رِوَايَةِ السُّوسِيِّ، وَعَلَى أَبِي الْفَتْحِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْقُرَشِيِّ، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي التَّيْسِيرِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَكُلٌّ مِنَ الْفَتْحِ وَصْلًا وَالْحَذْفِ وَقْفًا وَوَصْلًا صَحِيحٌ عَنِ السُّوسِيِّ ثَابِتٌ عَنْهُ رِوَايَةً وَتِلَاوَةً، وَنَصًّا وَقِيَاسًا. وَوَقَفَ يَعْقُوبُ عَلَيْهَا بِالْيَاءِ عَلَى أَصْلِهِ، وَالْبَاقُونَ بِالْحَذْفِ فِي الْحَالَيْنِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَأَمَّا الْيَاءَاتُ الْمَحْذُوفَةُ مِنْ رُءُوسِ الْآيِ وَجُمْلَتُهَا بِمَا فِيهِ أَصْلِيٌّ وَإِضَافِيٌّ سِتٌّ وَثَمَانُونَ يَاءً كَمَا قَدَّمْنَا ذَكَرْنَا مِنْهُ يَاءً وَاحِدَةً اسْتِطْرَادًا، وَهِيَ: {يَسْرِي} فِي الْفَجْرِ. بَقِيَ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ يَاءً أَثْبَتَ الْيَاءَ فِي جَمِيعِهَا يَعْقُوبُ فِي الْحَالَيْنِ عَلَى أَصْلِهِ. وَوَافَقَهُ غَيْرُهُ فِي سِتَّ عَشْرَةَ كَلِمَةً، وَهِيَ {دُعَاءً}، وَ{التَّلَاقِ}، وَ{التَّنَادِ}، وَ{أَكْرَمَنِ}، وَ{أَهَانَنِ}، وَ{بِالْوَادِ}، وَ{الْمُتَعَالِ}، وَ{وَعِيدِ}، وَ{نَذِيرٍ}، وَ{نَكِيرِ}، وَ{يُكَذِّبُونِ}، وَ{يُنْقِذُونِ}، وَ{لَتُرْدِينِ}، وَ{فَاعْتَزِلُونِ}، وَ{تَرْجُمُونِ}، {وَنُذُرِ}. أَمَّا {دُعَاءِ} وَهُوَ فِي إِبْرَاهِيمَ فَوَافَقَهُ فِي الْوَصْلِ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَوَرْشٌ، وَوَافَقَهُ الْبَزِّيُّ فِي الْحَالَيْنِ، وَاخْتُلِفَ عَنْ قُنْبُلٍ، فَرَوَى عَنْهُ ابْنُ مُجَاهِدٍ الْحَذْفَ فِي الْحَالَيْنِ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ شَنَبُوذَ الْإِثْبَاتَ فِي الْوَصْلِ وَالْحَذْفِ فِي الْوَقْفِ هَذَا الَّذِي هُوَ مِنْ طُرُقِ كِتَابِنَا. وَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ مُجَاهِدٍ مِثْلَ ابْنِ شَنَبُوذَ، وَعَنِ ابْنِ شَنَبُوذَ الْإِثْبَاتَ فِي الْوَقْفِ أَيْضًا ذَكَرَهُ الْهُذَلِيُّ، وَقَالَ: هُوَ تَخْلِيطٌ. قُلْتُ: وَبِكُلٍّ مِنَ الْحَذْفِ وَالْإِثْبَاتِ قَرَأْتُ عَنْ قُنْبُلٍ وَصْلًا، وَوَقْفًا، وَبِهِ آخُذُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. وَأُمَّا {التَّلَاقِ}، وَ{التَّنَادِ}، وَهُمَا فِي غَافِرٍ فَوَافَقَهُ فِي الْوَصْلِ وَرْشٌ وَابْنُ وَرْدَانَ. وَوَافَقَهُ فِي الْحَالَيْنِ ابْنُ كَثِيرٍ. وَانْفَرَدَ أَبُو الْفَتْحِ فَارِسٌ بْنُ أَحْمَدَ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَى عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَصْحَابِهِ عَنْ قَالُونَ بِالْوَجْهَيْنِ الْحَذْفُ وَالْإِثْبَاتُ فِي الْوَقْفِ وَتَبِعَهُ فِي ذَلِكَ الدَّانِيُّ مِنْ قِرَاءَتِهِ عَلَيْهِ وَأَثْبَتَهُ فِي التَّيْسِيرِ كَذَلِكَ فَذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا عَنْهُ وَتَبِعَهُ الشَّاطِبِيُّ عَلَى ذَلِكَ، وَقَدْ خَالَفَ عَبْدُ الْبَاقِي فِي هَذَيْنِ سَائِرَ النَّاسِ، وَلَا أَعْلَمُهُ وَرَدَ مِنْ طَرِيقِ مِنَ الطُّرُقِ عَنْ أَبِي نَشِيطٍ، وَلَا الْحُلْوَانِيِّ، بَلْ وَلَا عَنْ قَالُونَ أَيْضًا فِي طَرِيقٍ إِلَّا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَرْوَانَ عَنْهُ، وَذَكَرَهُ الدَّانِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنِ الْعُثْمَانِيِّ أَيْضًا وَسَائِرِ الرُّوَاةِ عَنْ قَالُونَ عَلَى خِلَافِهِ كَإِبْرَاهِيمَ وَأَحْمَدَ بْنَيْ قَالُونَ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ دَازِيلَ وَأَحْمَدِ بْنِ صَالِحٍ وَإِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّحَّامِ وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَلِّمِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى الْمَدَنِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَحْمُودٍ الْعُمْرِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَمُحَمَّدِ بْنِ هَارُونَ الْمَرْوَزِيِّ وَمُصْعَبِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَالزُّبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الزُّبَيْرِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ فُلَيْحٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا {أَكْرَمَنِ}، وَ{أَهَانَنِ}، وَهُمَا فِي الْفَجْرِ فَوَافَقَهُ عَلَى إِثْبَاتِ الْيَاءِ فِيهِمَا وَصْلًا نَافِعٌ وَأَبُو جَعْفَرٍ، وَفِي الْحَالَيْنِ الْبَزِّيُّ. وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ عَنْهُ إِلَى التَّخْيِيرِ، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْهَادِي، وَالتَّلْخِيصِ، لِلطَّبَرِيِّ، وَالْكَامِلِ، وَقَالَ فِيهِ: وَبِهِ قَالَ الْجَمَاعَةُ، وَعَوَّلَ الدَّانِيُّ عَلَى حَذْفِهِمَا، وَكَذَلِكَ الشَّاطِبِيُّ، وَقَالَ فِي التَّيْسِيرِ: وَخَيَّرَ فِيهِمَا أَبُو عَمْرٍو وَقِيَاسُ قَوْلِهِ فِي رُءُوسِ الْآيِ يُوجِبُ حَذْفَهُمَا، وَبِذَلِكَ الْوَصْلُ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ بِالْحَذْفِ. وَقَطَعَ فِي الْكَافِي لَهُ بِالْحَذْفِ، وَكَذَلِكَ فِي التَّذْكِرَةِ لِابْنِ فَرَحٍ، وَكَذَلِكَ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي كِفَايَتِهِ لِابْنِ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي الزَّعْرَاءِ مِنْ طَرِيقِ الْحَمَّامِيِّ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْإِرْشَادِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو سِوَى الْإِثْبَاتِ، وَكَذَلِكَ فِي الْمُبْهِجِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ فَرَحٍ، وَزَادَ فَقَالَ: وَفِي هَاتَيْنِ الْيَاءَيْنِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو اخْتِلَافٌ نَقَلَهُ أَصْحَابُهُ، وَكَذَلِكَ أَطْلَقَ الْخِلَافَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَأَبُو عَلِيِّ بْنِ بَلِّيمَةَ فِي تَلْخِيصِهِ، وَالْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو وَالتَّخْيِيرُ أَكْثَرُ وَالْحَذْفُ أَشْهَرُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْجَامِعِ لِابْنِ فَارِسٍ إِثْبَاتُهُمَا فِي الْحَالَيْنِ لِابْنِ شَنَبُوذَ عَنْ قُنْبُلٍ. وَأَمَّا {بِالْوَادِ}، وَهِيَ فِي الْفَجْرِ أَيْضًا فَوَافَقَهُ عَلَى إِثْبَاتِهَا وَصْلًا وَرْشٌ، وَفِي الْحَالَيْنِ ابْنُ كَثِيرٍ، وَاخْتُلِفَ عَنْ قُنْبُلٍ عَنْهُ فِي الْوَقْفِ، فَرَوَى الْجُمْهُورُ حَذْفَهَا، وَهُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْعُنْوَانِ، وَالْكَافِي، وَالْهِدَايَةِ، وَالتَّبْصِرَةِ، وَالْهَادِي، وَالتَّذْكِرَةِ. وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي طَاهِرِ بْنِ أَبِي هَاشِمٍ، وَبِهِ كَانَ يَأْخُذُ، وَبِهِ قَرَأَ الدَّانِيُّ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ بْنِ غَلْبُونَ، وَهُوَ ظَاهِرُ التَّيْسِيرِ حَيْثُ قَطَعَ بِهِ، أَوَّلًا وَلَكِنْ طَرِيقُ التَّيْسِيرِ هُوَ الْإِثْبَاتُ فَإِنَّهُ قَرَأَ بِهِ عَلَى فَارِسِ بْنِ أَحْمَدَ، وَعَنْهُ أَسْنَدَ رِوَايَةَ قُنْبُلٍ فِي التَّيْسِيرِ بِالْإِثْبَاتِ أَيْضًا قَطَعَ صَاحِبُ الْمُسْتَنِيرِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ أَبِي طَاهِرٍ. وَكَذَلِكَ ابْنُ فَارِسٍ فِي جَامِعِهِ، وَكَذَلِكَ سِبْطُ الْخَيَّاطِ فِي كِفَايَتِهِ وَمُبْهِجِهِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ ابْنِ مُجَاهِدٍ مَعَ أَنَّهُ قَطَعَ بِالْإِثْبَاتِ لَهُ فِي الْحَالَيْنِ فِي سَبْعَتِهِ، وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْيَاءَاتِ وَكِتَابِ الْمَكِّيِّينَ وَكِتَابِ الْجَامِعِ عَنْ قُنْبُلٍ الْيَاءَ فِي الْوَصْلِ، وَإِذَا وَقَفَ بِغَيْرِ يَاءٍ قَالَ الدَّانِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ قُنْبُلٍ. قُلْتُ: وَكِلَا الْوَجْهَيْنِ صَحِيحٌ عَنْ قُنْبُلٍ نَصًّا وَأَدَاءً حَالَةَ الْوَقْفِ بِهِمَا قَرَأْتُ، وَبِهِمَا آخُذُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا {الْمُتَعَالِ}، وَهُوَ فِي الرَّعْدِ فَوَافَقَهُ عَلَى الْإِثْبَاتِ فِي الْحَالَيْنِ ابْنُ كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَتَيْهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ. وَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ شَنَبُوذَ عَنْ قُنْبُلٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الطَّبَرِ حَذْفُهَا فِي الْحَالَيْنِ، وَمِنْ طَرِيقِ الْهُذَلِيِّ حَذْفُهَا وَقْفًا وَالَّذِي نَأْخُذُ بِهِ هُوَ الْأَوَّلُ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا {وَعِيدِ}. وَهِيَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَوْضِعِي ق، وَ{نَكِيرِ} فِي الْحَجِّ وَسَبَأٍ وَفَاطِرٍ وَالْمُلْكِ وَ{نَذِيرٍ}، وَهِيَ فِي السِّتَّةِ الْمَوَاضِعِ مِنَ الْقَمَرِ، وَ{أَنْ يُكَذِّبُونِ} فِي الْقَصَصِ وَ{لَا يُنْقِذُونِ} فِي يس وَ{لَتُرْدِينِ} فِي الصَّافَّاتِ وَ{أَنْ تَرْجُمُونِ}، وَ{فَاعْتَزِلُونِ} فِي الدُّخَانِ وَ{نَذِيرِ} فِي الْمُلْكِ فَوَافَقَهُ عَلَى إِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي هَذِهِ الثَّمَانِيَ عَشْرَةَ يَاءً مِنَ الْكَلِمِ التِّسْعِ حَالَةَ الْوَصْلِ وَرْشٌ. وَاخْتَصَّ يَعْقُوبُ بِمَا بَقِيَ مِنَ الْيَاءَاتِ فِي رُءُوسِ الْآيِ، وَهِيَ سِتُّونَ يَاءً تَقَدَّمَتْ مُفَصَّلَةً وَسَتَأْتِي مَنْصُوصًا عَلَيْهَا آخِرَ كُلِّ سُورَةٍ عَقِيبَ يَاءَاتِ الْإِضَافَةِ مُعَادًا ذِكْرَ الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مُبَيِّنًا مُفَصَّلًا- إِنْ شَاءَ اللَّهُ- وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
الْأَوَّلُ: أَجْمَعَتِ الْمَصَاحِفُ عَلَى إِثْبَاتِ الْيَاءِ رَسْمًا فِي خَمْسَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا مِمَّا وَقَعَ نَظِيرُهُ مَحْذُوفًا مُخْتَلَفًا فِيهِ مَذْكُورٌ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهِيَ وَ{اخْشَوْنِي}، وَ{لِأُتِمَّ} فِي الْبَقَرَةِ {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ} فِيهَا أَيْضًا وَ{فَاتَّبِعُونِي} فِي آلِ عِمْرَانَ. وَ{فَهُوَ الْمُهْتَدِي} فِي الْأَعْرَافِ وَ{فَكِيدُونِي} فِي هُودٍ وَ{مَا نَبْغِي} فِي يُوسُفَ، {وَمَنِ اتَّبَعَنِي} فِيهَا وَ{فَلَا تَسْأَلْنِي} فِي الْكَهْفِ وَ{فَاتَّبِعُونِي}، {وَأَطِيعُونِ} فِي طه {وَأَنْ يَهْدِيَنِي} فِي الْقَصَصِ {وَيَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا} فِي الْعَنْكَبُوتِ وَ{أَنِ اعْبُدُونِي} فِي يس، وَ{يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} آخِرَ الزُّمَرِ وَ{أَخَّرْتَنِي إِلَى} فِي الْمُنَافِقِينَ وَ{دُعَائِي إِلَّا} فِي نُوحٍ. لَمْ تَخْتَلِفِ الْمَصَاحِفُ فِي هَذِهِ الْخَمْسَ عَشْرَةَ يَاءً إِنَّهَا ثَابِتَةٌ. وَكَذَلِكَ لَمْ يَخْتَلِفِ الْقُرَّاءُ فِي إِثْبَاتِهَا أَيْضًا. وَلَمْ يَجِئْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافٌ إِلَّا فِي {تَسْأَلْنِي} فِي الْكَهْفِ اخْتُلِفَ فِيهَا عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى-، وَيَلْحَقُ بِهَذِهِ الْيَاءَاتِ {بِهَادِي الْعُمْيِ} فِي النَّمْلِ لِثُبُوتِهَا فِي جَمِيعِ الْمَصَاحِفِ لِاشْتِبَاهِهَا بِالَّتِي فِي سُورَةِ الرُّومِ إِذْ هِيَ مَحْذُوفَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَصَاحِفِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ الْوَقْفِ.
الثَّانِي: بَنَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا الْحَذْفَ وَالْإِثْبَاتَ فِي {فَبَشِّرْ عِبَادِ} عَنِ السُّوسِيِّ، وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو عَلَى كَوْنِهَا رَأْسَ آيَةٍ فَقَالَ عُبَيْدُ بْنُ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: إِنْ كَانَتْ رَأْسَ آيَةٍ وَقَفْتَ عَلَى {عِبَادِ} وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رَأْسَ آيَةٍ وَوَقَفْتَ قُلْتَ {فَبَشِّرْ عِبَادِي} وَإِنْ وَصَلْتَ قُلْتَ {عِبَادِي الَّذِينَ} قَالَ: وَقَرَأْتُهُ بِالْقَطْعِ، وَقَالَ ابْنُ مُجَاهِدٍ: فِي كِتَابِ أَبِي عَمْرٍو فِي رِوَايَةِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْيَزِيدِيِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَبَا عَمْرٍو كَانَ يَذْهَبُ فِي الْعَدَدِ مَذْهَبَ الْمَدَنِيِّ الْأَوَّلِ، وَهُوَ كَانَ عَدَدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْأَئِمَّةِ قَدِيمًا فَمَنْ ذَهَبَ إِلَى عَدَدِ الْكُوفِيِّ وَالْمَدَنِيِّ الْأَخِيرِ، وَالْبَصْرِيِّينَ، حَذَفَ الْيَاءَ فِي قِرَاءَةِ أَبِي عَمْرٍو، وَمَنْ عَدَّ عَدَدَ الْمَدَنِيِّ الْأَوَّلِ فَتَحَهَا وَاتَّبَعَ أَبَا عَمْرٍو فِي الْقِرَاءَةِ وَالْعَدَدِ. وَقَالَ ابْنُ الْيَزِيدِيِّ فِي كِتَابِهِ فِي الْوَصْلِ وَالْقَطْعِ: لَمَّا ذَكَرَ لِأَبِي عَمْرٍو الْفَتْحَ وَصْلًا وَإِثْبَاتَ الْيَاءِ وَقْفًا: هَذَا مِنْهُ تَرْكٌ لِقَوْلِهِ إِنَّهُ يَتَّبِعُ الْخَطَّ فِي الْوَقْفِ قَالَ: وَكَأَنَّ أَبَا عَمْرٍو أَغْفَلَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَرْفُ رَأْسَ آيَةٍ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا قَدَّمْنَا: قَوْلُ أَبِي عَمْرٍو لِعُبَيْدِ بْنِ عَقِيلٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ عَلَى أَنَّهُ رَأْسُ آيَةٍ فِي بَعْضِ الْعَدَدِ إِذْ خَيَّرَهُ فَقَالَ: إِنْ عَدَدْتَهَا فَأَسْقِطِ الْيَاءَ عَلَى مَذْهَبِهِ فِي غَيْرِ الْفَوَاصِلِ وَإِنْ لَمْ تَعُدَّهَا فَأَثْبِتِ الْيَاءَ وَانْصِبْهَا عَلَى مَذْهَبِهِ فِي غَيْرِ الْفَوَاصِلِ، وَعِنْدَ اسْتِقْبَالِ الْيَاءِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ. قُلْتُ: وَالَّذِي لَمْ يَعُدَّهَا آيَةً هُوَ الْمَكِّيُّ وَالْمَدَنِيُّ الْأَوَّلُ فَقَطْ وَعَدَّهَا غَيْرُهُمَا آيَةً فَعَلَى مَا قَرَّرُوا يَكُونُ أَبُو عَمْرٍو اتَّبَعَ فِي تَرْكِ عَدِّهَا الْمَكِّيَّ وَالْمَدَنِيَّ الْأَوَّلَ إِذْ كَانَ مِنْ أَصْلِ مَذْهَبِهِ اتِّبَاعُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَعَنْهُمْ أَخَذَ الْقِرَاءَةَ، أَوَّلًا وَاتَّبَعَ فِي عَدِّهَا أَهْلَ بَلْدَةِ الْبَصْرَةِ، وَغَيْرِهَا. وَعَنْهُمْ أَخَذَ الْقِرَاءَةَ ثَانِيًا فَهُوَ فِي الْحَالَتَيْنِ مُتَّبِعٌ الْقِرَاءَةَ وَالْعَدَدَ وَلِذَلِكَ خَيَّرَ فِي الْمَذْهَبَيْنِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
الثَّالِثُ: لَيْسَ إِثْبَاتُ هَذِهِ الْيَاءَاتِ فِي الْحَالَيْنِ، أَوْ فِي حَالَةِ الْوَصْلِ مِمَّا يُعَدُّ مُخَالِفًا لِلرَّسْمِ خِلَافًا يَدْخُلُ بِهِ فِي حُكْمِ الشُّذُوذِ لِمَا بَيَّنَاهُ فِي الرُّكْنِ الرَّسْمِيِّ، أَوَّلَ الْكِتَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
لَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي تَوَالِيفِهِمْ لِهَذَا الْبَابِ. وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفْرَاوِيُّ فِي إِعْلَانِهِ، وَلَمْ يَأْتِ بِطَائِلٍ، وَهُوَ بَابٌ عَظِيمُ الْفَائِدَةِ، كَثِيرُ النَّفْعِ، جَلِيلُ الْخَطَرِ، بَلْ هُوَ ثَمَرَةُ مَا تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ هَذَا الْكِتَابِ مِنَ الْأُصُولِ، وَنَتِيجَةُ تِلْكَ الْمُقَدِّمَاتِ وَالْفُصُولِ. وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ لِعَدَمِ تَعَرُّضِ الْمُتَقَدِّمِينَ إِلَيْهِ هُوَ عِظَمُ هِمَمِهِمْ، وَكَثْرَةُ حِرْصِهِمْ، وَمُبَالَغَتِهِمْ فِي الْإِكْثَارِ مِنْ هَذَا الْعِلْمِ وَاسْتِيعَابِ رِوَايَاتِهِ، وَقَدْ كَانُوا فِي الْحِرْصِ وَالطَّلَبِ بِحَيْثُ إِنَّهُمْ يَقْرَءُونَ بِالرِّوَايَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى الشَّيْخِ الْوَاحِدِ عِدَّةَ خَتَمَاتٍ لَا يَنْتَقِلُونَ إِلَى غَيْرِهَا وَلَقَدْ قَرَأَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْغَنِيِّ الْحُصْرِيُّ الْقَيْرَوَانِيُّ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ عَلَى شَيْخِهِ أَبِي بَكْرٍ الْقَصْرِيُّ تِسْعِينَ خَتْمَةً كُلَّمَا خَتَمَ خَتْمَةً قَرَأَ غَيْرَهَا حَتَّى أَكْمَلَ ذَلِكَ فِي مُدَّةِ عَشْرِ سِنِينَ حَسْبَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ فِي قَصِيدَتِهِ: وَأَذْكُرُ أَشْيَاخِي الَّذِينَ قَرَأْتُهَا *** عَلَيْهِمْ فَأَبْدَأُ بِالْإِمَامِ أَبِي بَكْرٍ قَرَأْتُ عَلَيْهِ السَّبْعَ تِسْعِينَ خَتْمَةً *** بَدَأْتُ ابْنَ عَشْرٍ ثُمَّ أَكْمَلْتُ فِي عَشْرٍ وَكَانَ أَبُو حَفْصٍ الْكِتَّانِيُّ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مُجَاهِدٍ وَمِمَّنْ لَازَمَهُ كَثِيرًا وَعُرِفَ بِهِ، وَقَرَأَ عَلَيْهِ سِنِينَ لَا يَتَجَاوَزُ قِرَاءَةَ عَاصِمٍ. قَالَ: وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَنْقُلَنِي عَنْ قِرَاءَةِ عَاصِمٍ إِلَى غَيْرِهَا فَأَبَى عَلَيَّ، وَقَرَأَ أَبُو الْفَتْحِ فَرَجُ بْنُ عُمَرَ الْوَاسِطِيُّ أَحَدُ شُيُوخِ ابْنِ سَوَّارٍ الْقُرْآنَ بِرِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْعُلَيْمِيِّ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عَلَى ابْنِ مَنْصُورٍ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الشَّعِيرِ الْوَاسِطِيِّ عِدَّةَ خَتَمَاتٍ فِي مُدَّةِ سِنِينَ وَكَانُوا يَقْرَءُونَ عَلَى الشَّيْخِ الْوَاحِدِ الْعِدَّةَ مِنَ الرِّوَايَاتِ وَالْكَثِيرَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ كُلُّ خَتْمَةٍ بِرِوَايَةٍ لَا يَجْمَعُونَ رِوَايَةً إِلَى غَيْرِهَا، وَهَذَا الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَثْنَاءِ الْمِائَةِ الْخَامِسَةِ عَصْرِ الدَّانِيِّ وَابْنِ شَيْطَا الْأَهْوَازِيِّ وَالْهُذَلِيِّ، وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَمِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ ظَهَرَ جَمْعُ الْقِرَاءَاتِ فِي الْخَتْمَةِ الْوَاحِدَةِ وَاسْتَمَرَّ إِلَى زَمَانِنَا وَكَانَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ يَكْرَهُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لَمْ تَكُنْ عَادَةُ السَّلَفِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ هُوَ الْأَخْذُ بِهِ وَالتَّقْرِيرُ عَلَيْهِ وَتَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ. وَإِنَّمَا دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ فُتُورُ الْهِمَمِ وَقَصْدُ سُرْعَةِ التَّرَقِّي وَالِانْفِرَادِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الشُّيُوخِ يَسْمَحُ بِهِ إِلَّا لِمَنْ أَفْرَدَ الْقِرَاءَاتِ وَأَتْقَنَ مَعْرِفَةَ الطُّرُقِ وَالرِّوَايَاتِ، وَقَرَأَ لِكُلِّ قَارِئٍ خَتْمَةً عَلَى حِدَةٍ، وَلَمْ يَسْمَحْ أَحَدٌ بِقِرَاءَةِ قَارِئٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ السَّبْعَةِ، أَوِ الْعَشْرَةِ فِي خَتْمَةٍ وَاحِدَةٍ فِيمَا أَحْسَبُ إِلَّا فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ الْمُتَأَخِّرَةِ حَتَّى إِنَّ الْكَمَالَ الضَّرِيرَ صِهْرَ الشَّاطِبِيِّ لَمَّا أَرَادَ الْقِرَاءَةَ عَلَى الشَّاطِبِيِّ لَمْ يَقْرَأْ عَلَيْهِ قِرَاءَةً وَاحِدَةً مِنَ السَّبْعَةِ إِلَّا فِي ثَلَاثِ خَتَمَاتٍ فَكَانَ إِذَا أَرَادَ قِرَاءَةَ ابْنِ كَثِيرٍ مَثَلًا يَقْرَأُ أَوَّلًا بِرِوَايَةِ الْبَزِّيِّ خَتْمَةً ثُمَّ خَتْمَةً بِرِوَايَةِ قُنْبُلٍ ثُمَّ يَجْمَعُ الْبَزِّيَّ وَقُنْبُلَ فِي خَتْمَةٍ هَكَذَا حَتَّى أَكْمَلَ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعَ فِي تِسْعَ عَشْرَةَ خَتْمَةً، وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إِلَّا رِوَايَةُ أَبِي الْحَارِثِ وَجَمَعَهُ مَعَ الدُّورِيِّ فِي خَتْمَةٍ، قَالَ: فَأَرَدْتُ أَنْ أَقْرَأَ بِرِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ فَأَمَرَنِي بِالْجَمْعِ فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إِلَى سُورَةِ الْأَحْقَافِ تُوَفِّي رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ إِلَى زَمَنِ شُيُوخِنَا الَّذِينَ أَدْرَكْنَاهُمْ فَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا قَرَأَ عَلَى التَّقِيِّ الصَّائِغِ الْجَمْعَ إِلَّا بَعَدَ أَنْ يُفْرِدَ السَّبْعَةَ فِي إِحْدَى وَعِشْرِينَ خَتْمَةً وَلِلْعَشَرَةِ كَذَلِكَ. وَقَرَأَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْجُنْدِيِّ عَلَى الصَّائِغِ الْمَذْكُورِ وَالْمُفْرَدَاتِ عِشْرِينَ خَتْمَةً، وَكَذَلِكَ شَيْخُنَا الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الصَّائِغِ، وَكَذَلِكَ شَيْخُنَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدَّيْنِ الْبَغْدَادِيُّ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَنْ أَدْرَكْنَاهُمْ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَقَرَأَ شَيْخُنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْقَرَوِيُّ الْإِسْكَنْدَرِيُّ عَلَى شَيْخِهِ الشِّهَابِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُوصِيِّ بِمُضْمَنِ الْإِعْلَانِ فِي السَّبْعِ أَرْبَعِينَ خَتْمَةً وَكَانَ الَّذِينَ يَتَسَاهَلُونَ فِي الْأَخْذِ يَسْمَحُونَ أَنْ يَقْرَءُوا لِكُلِّ قَارِئٍ مِنَ السَّبْعَةِ بِخَتْمَةٍ سِوَى نَافِعٍ وَحَمْزَةَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَأْخُذُونَ خَتْمَةً لَقَالُونَ ثُمَّ خَتْمَةً لِوَرْشٍ، ثُمَّ خَتْمَةً لِخَلَفٍ ثُمَّ خَتْمَةً لِخَلَّادٍ، وَلَا يَسْمَحُ أَحَدٌ بِالْجَمْعِ إِلَّا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلِمَا طَلَبْتُ الْقِرَاءَاتِ أَفْرَدْتُهَا عَلَى الشُّيُوخِ الْمَوْجُودِينَ بِدِمَشْقَ وَكُنْتُ قَرَأْتُ خَتْمَتَيْنِ كَامِلَتَيْنِ عَلَى الشَّيْخِ أَمِينِ الدِّينِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ السِلَارِ خَتْمَةً بِقِرَاءَةِ أَبِي عَمْرٍو مِنْ رِوَايَتَيْهِ وَخَتْمَةً بِقِرَاءَةِ حَمْزَةَ مِنْ رِوَايَتَيْهِ أَيْضًا ثُمَّ اسْتَأْذَنْتُهُ فِي الْجَمْعِ فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَقَالَ: لَمْ تُفْرِدْ عَلَى جَمْعِ الْقِرَاءَاتِ، وَلَمْ يَسْمَحْ بِأَكْثَرَ مِنْ أَنْ أَذِنَ لِي فِي جَمْعِ قِرَاءَةِ نَافِعٍ وَابْنِ كَثِيرٍ فَقَطْ نَعَمْ كَانُوا إِذَا رَأَوْا شَخْصًا قَدْ أَفْرَدَ وَجَمَعَ عَلَى شَيْخٍ مُعْتَبَرٍ وَأُجِيزَ وَتَأَهَّلَ فَأَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ الْقِرَاءَاتِ فِي خَتْمَةٍ عَلَى أَحَدِهِمْ لَا يُكَلِّفُونَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى إِفْرَادٍ لِعِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ قَدْ وَصَلَ إِلَى حَدِ الْمَعْرِفَةِ وَالْإِتْقَانِ كَمَا وَصَلَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْعِزِّ الْقَلَانِسِيُّ إِلَى الْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِمِ الْهُذَلِيِّ حِينَ دَخَلَ بَغْدَادَ فَقَرَأَ عَلَيْهِ بِمُضْمَنِ كِتَابِهِ الْكَامِلِ فِي خَتْمَةٍ وَاحِدَةٍ. وَلَمَّا دَخَلَ الْكَمَالُ بْنُ فَارِسٍ الدِّمَشْقِيُّ مِصْرَ وَقَصَدَهُ قُرَّاءُ أَهْلِهَا لِانْفِرَادِهِ بِعُلُوِ الْإِسْنَادِ، وَقِرَاءَةِ الرِّوَايَاتِ الْكَثِيرَةِ عَلَى الْكَنَدِيِّ فَقَرَءُوا عَلَيْهِ بِالْجَمْعِ لِلِاثْنَيْ عَشْرَ بِكُلِّ مَا رَوَاهُ عَنِ الْكَنَدِيِّ مِنَ الْكُتُبِ. وَرَحَلَ الشَّيْخُ عَلِيُّ الدِّيوَانِيُّ مِنْ وَاسِطٍ إِلَى دِمَشْقَ فَقَرَأَ عَلَى الشَّيْخِ إِبْرَاهِيمَ الْإِسْكَنْدَرِيُّ بِهَا بِمُضْمَنِ التَّيْسِيرِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، فِي خَتْمَةٍ. وَرَحَلَ الشَّيْخُ نَجْمُ الدِّينِ بْنُ مُؤْمِنٍ إِلَى مِصْرَ مِنَ الْعِرَاقِ فَقَرَأَ عَلَى الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ الصَّائِغِ بِمُضْمَنِ عِدَّةِ كُتُبٍ جَمْعًا، وَكَذَلِكَ رَحَلَ شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ السِلَارِ فَقَرَأَ عَلَى الصَّائِغِ الْمَذْكُورِ خَتْمَةً جَمْعًا بِمُضْمَنِ التَّيْسِيرِ، وَالشَّاطِبِيَّةِ، وَالْعُنْوَانِ. وَرَحَلَ بَعْدَهُ شَيْخُنَا أَبُو الْمَعَالِي بْنُ اللَّبَّانِ فَقَرَأَ خَتْمَةً جَمْعًا لِلثَّمَانِيَةِ بِمُضْمَنِ عَقْدِ الْآلِي، وَغَيْرِهَا عَلَى أَبِي حَيَّانَ وَأَوَّلُ مَا قَرَأْتُ أَنَا عَلَى اللَّبَّانِ قَرَأْتُ عَلَيْهِ خَتْمَةً جَمْعًا بِمُضْمَنِ عَشَرَةِ كُتُبٍ، وَلَمَّا رَحَلْتُ أَوَّلًا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ قَرَأْتُ جَمْعًا بِالْقِرَاءَاتِ الِاثْنَيْ عَشْرَ بِمُضْمَنِ عِدَّةِ كُتُبٍ عَلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ الْجُنْدِيِّ، وَقَرَأْتُ عَلَى كُلٍّ مِنَ ابْنِ الصَّائِغِ وَالْبَغْدَادِيِّ جَمِيعًا بِمُضْمَنِ الشَّاطِبِيَّةِ، وَالتَّيْسِيرِ، وَالْعُنْوَانِ، ثُمَّ رَحَلْتُ ثَانِيًا، وَقَرَأْتُ عَلَى الشَّيْخَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ جَمْعًا لِلْعَشَرَةِ بِمُضْمَنِ عِدَّةِ كُتُبٍ وَزِدْتُ فِي جَمْعِي عَلَى الْبَغْدَادِيِّ فَقَرَأْتُ لِابْنِ مُحَيْصِنٍ وَالْأَعْمَشِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. فَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَوْمِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَهَذَا دَأْبُهُمْ. وَكَانُوا أَيْضًا فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ لَا يَزِيدُونَ الْقَارِئَ عَلَى عَشْرِ آيَاتٍ، وَلَوْ كَانَ مَنْ كَانَ لَا يَتَجَاوَزُونَ ذَلِكَ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مُزَاحِمٍ الْخَاقَانِيُّ حَيْثُ قَالَ فِي قَصِيدَتِهِ الَّتِي نَظَمَهَا فِي التَّجْوِيدِ، وَهُوَ، أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فِيمَا أَحْسَبُ: وَحُكْمُكَ بِالتَّحْقِيقِ إِنْ كُنْتَ آخِذًا *** عَلَى أَحَدٍ أَنْ لَا تَزِيدَ عَلَى عَشْرٍ وَكَانَ مَنْ بَعْدَهُمْ لَا يَتَقَيَّدُ بِذَلِكَ، بَلْ يَأْخُذُ بِحَسَبِ مَا يَرَى مِنْ قُوَّةِ الطَّالِبِ قَلِيلًا وَكَثِيرًا إِلَّا أَنَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عَمَلُ كَثِيرٍ مِنَ الشُّيُوخِ هُوَ الْأَخْذُ فِي الْأَفْرَادِ بِجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَفِي الْجَمْعِ بِجُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَرَوَيْنَا الْأَوَّلَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ. أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْحُسَيْنِ بِقِرَاءَتِي عَلَيْهِ ظَاهِرَ دِمَشْقَ عَنِ الْخَطِيبِ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْوَاسِطِيِّ أَخْبَرْنَا الْحُسَيْنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الطِّيبِيُّ، أَخْبَرْنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرْنَا أَبُو الْعِزِّ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: قَرَأْتُ بِهَا يَعْنِي قِرَاءَةَ أَبِي جَعْفَرٍ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ. وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ قَرَأَ بِهَا أَبِي عَلِيٍّ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّهَاوِيِّ بِدِمَشْقَ. وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَرَأَ بِهَا عَلَى أَبِي عَلِيٍّ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَصْبَهَانِيِّ. وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَرَأَ بِهَا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ صَالِحِ بْنِ سَعِيدٍ الرَّازِيِّ خَتْمَةً كَامِلَةً فِي مُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كُلَّ يَوْمٍ جُزْءً مِنْ أَجْزَاءِ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَأَنَّ صَالِحًا قَرَأَ عَلَى أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ شَاذَانَ الرَّازِّيِّ خَتْمَةً كَامِلَةً فِي مُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عَلَى هَذِهِ الْأَجْزَاءِ وَأَنَّ الْفَضْلَ قَرَأَ عَلَى أَحْمَدَ بْنِ يَزِيدٍ الْحُلْوَانِيِّ. وَأَخَذَ آخَرُونَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَجْعَلُوا لِلْأَخْذِ حَدًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ. وَكَانَ الْإِمَامُ عَلَمُ الدِّينِ السَّخَاوِيُّ يَخْتَارُهُ وَيَحْمِلُ مَا وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ فِي تَحْدِيدِ الْأَعْشَارِ عَلَى التَّلْقِينِ وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغَ {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ. وَالَّذِي قَالَهُ: وَاضِحٌ فَعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ سَلَفِنَا وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِمَّنْ أَدْرَكْنَا مِنْ أَئِمَّتِنَا، قَالَ الْإِمَامُ يَعْقُوبُ الْحَضَرِيُّ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ فِي سَنَةٍ وَنِصْفٍ عَلَى سَلَامٍ. وَقَرَأْتُ عَلَى شِهَابِ الدِّينِ بْنِ شَرِيفَةَ فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ، وَقَرَأَ شِهَابُ عَلَى مُسْلِمَةَ بْنِ مُحَارِبٍ فِي تِسْعَةِ أَيَّامٍ، وَقَدْ قَرَأَ شَيْخُنَا أَحْمَدُ بْنُ الطَّحَّانِ عَلَى الشَّيْخِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ نَحْلَةٍ خَتْمَةً كَامِلَةً بِحَرْفِ أَبِي عَمْرٍو مِنْ رِوَايَتِهِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ وَأَخْبَرْتُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا خَتَمَ قَالَ الشَّيْخُ: هَلْ رَأَيْتَ أَحَدًا يَقْرَأُ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ؟ فَقَالَ: لَا تَقُلْ هَكَذَا، قُلْ: هَلْ رَأَيْتَ شَيْخًا يَسْمَعُ هَذَا السَّمَاعَ؟، وَلَمَّا رَحَلَ ابْنُ مُؤْمِنٍ إِلَى الصَّائِغِ قَرَأَ عَلَيْهِ الْقِرَاءَاتِ جَمِيعًا بِعِدَّةِ كُتُبٍ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَقَرَأَ عَلَى شَخْصٍ خَتْمَةً لِابْنِ كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَتَيْهِ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَلِلْكِسَائِيِّ كَذَلِكَ فِي سَبْعَةِ أَيَّامٍ. وَلَمَّا رَحَلْتُ أَوَّلًا إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَأَدْرَكَنِي السَّفَرُ كُنْتُ قَدْ وَصَلْتُ فِي خَتْمَةٍ بِالْجَمْعِ إِلَى سُورَةِ الْحِجْرِ عَلَى شَيْخِنَا ابْنِ الصَّائِغِ فَابْتَدَأْتُ عَلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ الْحِجْرِ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَتَمْتُ عَلَيْهِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ فِي تِلْكَ الْجُمُعَةِ وَآخِرُ مَا كَانَ بَقِيَ لِي مِنْ أَوَّلِ الْوَاقِعَةِ فَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، وَأَعْظَمُ مَا بَلَغَنِي فِي ذَلِكَ قَضِيَّةُ الشَّيْخِ مَكِينِ الدِّينِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَنْصُورٍ الْمَعْرُوفِ بِالسَّمَرِ مَعَ الشَّيْخِ أَبِي إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَثِيقٍ الْإِشْبِيلِيِّ، وَهِيَ مَا أَخْبَرَنِي بِهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمُحَدِّثُ الثِّقَةُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بْنِ عَرَّامٍ الْإِسْكَنْدَرِيُّ فِي كِتَابِهِ إِلَيَّ مِنْ ثَغْرِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ ثُمَّ نَقَلْتُهُ مِنْ خَطِّهِ بِهَا أَنَّ الشَّيْخَ مَكِينَ الدِّينِ الْأَسْمَرِ دَخَلَ يَوْمًا إِلَى الْجَامِعِ الْجُيُوشِيِّ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَوَجَدَ شَخْصًا وَاقِفًا، وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَى أَبْوَابِ الْجَامِعِ فَوَقَعَ فِي نَفْسِ الْمَكِينِ الْأَسْمَرِ أَنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ وَأَنَّهُ يَعْزِمُ عَلَى الرَّوَاحِ إِلَى جِهَةٍ لِيُسَلِّمَ عَلَيْهِ فَفَعَلَ ذَلِكَ، وَإِذَا بِهِ ابْنُ وَثِيقٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا مَعْرِفَةٌ بِالْآخَرِ، وَلَا رُؤْيَةٌ فَلَمَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ: أَنْتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَنْصُورٍ؟ قَالَ: نَعَمْ مَا جِئْتُ مِنَ الْغَرْبِ إِلَّا بِسَبَبِكَ لِأُقْرِئَكَ الْقِرَاءَاتِ، قِيلَ فَابْتَدَأَ عَلَيْهِ الْمَكِينُ الْأَسْمَرُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ الْخَتْمَةَ بِالْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ، وَعِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِذَا بِهِ يَقُولُ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ فَخَتَمَ عَلَيْهِ جَمِيعَ الْخَتْمَةِ جَمْعًا بِالْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ. إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلْيُعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ يُرِيدُ تَحْقِيقَ عِلْمِ الْقِرَاءَاتِ وَإِحْكَامِ تِلَاوَةِ الْحُرُوفِ فَلَا بُدَّ مِنْ حِفْظِهِ كِتَابًا كَامِلًا يَسْتَحْضِرُ بِهِ اخْتِلَافَ الْقِرَاءَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفَ أَوَّلًا اصْطِلَاحَ الْكِتَابِ الَّذِي يَحْفَظُهُ وَمَعْرِفَةَ طُرُقِهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ قَصَدَ التِّلَاوَةَ بِكِتَابِ غَيْرِهِ، وَلَا بُدَّ مِنْ إِفْرَادِ الَّتِي يَقْصِدُ مَعْرِفَتَهَا قِرَاءَةً عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِذَا أَحْكَمَ الْقِرَاءَاتِ إِفْرَادًا وَصَارَ لَهُ بِالتَّلَفُّظِ بِالْأَوْجُهِ مَلِكَةً لَا يَحْتَاجُ مَعَهَا عَلَى تَكَلُّفٍ وَأَرَادَ أَنْ يُحْكِمَهَا جَمْعًا فَلْيُرِضْ نَفْسَهُ وَلِسَانَهُ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يَجْمَعَهُ وَلْيَنْظُرْ مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْخِلَافِ أُصُولًا وَفَرْشًا فَمَا أَمْكَنَ فِيهِ التَّدَاخُلُ اكْتَفَى مِنْهُ بِوَجْهٍ وَمَا لَمْ يُمْكِنْ فِيهِ نَظَرَ فَإِنْ أَمْكَنَ عَطْفُهُ عَلَى مَا قَبْلَهُ بِكَلِمَةٍ، أَوْ بِكَلِمَتَيْنِ، أَوْ بِأَكْثَرِ مِنْ غَيْرِ تَخْطِيطٍ، وَلَا تَرْكِيبٍ اعْتَمَدَهُ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ عَطْفَهُ رَجَعَ إِلَى مَوْضِعٍ ابْتَدَأَ حَتَّى يَسْتَوْعِبَ الْأَوْجُهَ كُلَّهَا مِنْ غَيْرِ إِهْمَالٍ، وَلَا تَرْكِيبٍ، وَلَا إِعَادَةِ مَا دَخَلَ فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَمْنُوعٌ وَالثَّانِيَ مَكْرُوهٌ وَالثَّالِثَ مَعِيبٌ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بَعْدَ أَنْ يَعْرِفَ أَحْرُفَ الْخِلَافِ الْجَائِزِ فَمَنْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الْخِلَافَيْنِ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجَمْعِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى الْوُصُولِ إِلَى الْقِرَاءَاتِ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُمَيِّزَ بَيْنَ الطَّرِيقِ وَالرِّوَايَاتِ وَإِلَّا فَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى السَّلَامَةِ مِنَ التَّرْكِيبِ فِي الْقِرَاءَاتِ وَسَأُوَضِّحُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ إِيضَاحًا لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى زِيَادَةٍ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَوْنِهِ. فَاعْلَمْ أَنَّ الْخِلَافَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْقَارِئِ، وَهُوَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْعَشَرَةِ وَنَحْوِهِمْ، أَوْ لِلرَّاوِي عَنْهُ، وَهُوَ وَاحِدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الْعِشْرِينَ الْمَذْكُورِينَ فِي كِتَابِنَا هَذَا وَنَحْوِهِمْ، أَوْ لِلرَّاوِي عَنْ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الرُّوَاةِ الْعِشْرِينَ، أَوْ مَنْ بَعْدَهُ وَإِنْ سَفَلَ، أَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لِوَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ بِكَمَالِهِ أَيْ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ وَالطُّرُقُ عَنْهُ فَهُوَ قِرَاءَةٌ وَإِنْ كَانَ لِلرَّاوِي عَنِ الْإِمَامِ فَهُوَ رِوَايَةٌ وَإِنْ كَانَ لِمَنْ بَعْدَ الرُّوَاةِ وَإِنْ سَفَلَ فَهُوَ طَرِيقٌ وَمَا كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَةِ مِمَّا هُوَ رَاجِعٌ إِلَى تَخْيِيرِ الْقَارِئِ فِيهِ كَانَ وَجْهًا فَنَقُولُ: مَثَلًا إِثْبَاتُ الْبَسْمَلَةِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ قِرَاءَةُ ابْنِ كَثِيرٍ، وَقِرَاءَةُ الْكِسَائِيِّ، وَقِرَاءَةُ أَبِي جَعْفَرٍ وَرِوَايَةُ قَالُونَ عَنْ نَافِعٍ، وَطَرِيقُ الْأَصْفَهَانِيِّ عَنْ وَرْشٍ، وَطَرِيقُ صَاحِبِ الْهَادِي عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَطَرِيقُ صَاحِبِ الْعُنْوَانِ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ، وَطَرِيقُ صَاحِبِ التَّذْكِرَةِ عَنْ يَعْقُوبَ، وَطَرِيقُ صَاحِبِ التَّبْصِرَةِ عَنِ الْأَزْرَقِ عَنْ وَرْشٍ. وَنَقُولُ: الْوَصْلُ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ قِرَاءَةُ حَمْزَةَ، وَطَرِيقُ صَاحِبِ الْمُسْتَنِيرِ عَنْ خَلَفٍ، وَطَرِيقُ صَاحِبِ الْعُنْوَانِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو، وَطَرِيقُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ عَنْ عَامِرٍ، وَطَرِيقُ صَاحِبِ الْغَايَةِ عَنْ يَعْقُوبَ، وَطَرِيقُ صَاحِبِ الْعُنْوَانِ عَنِ الْأَزْرَقِ عَنْ وَرْشٍ، وَالسَّكْتُ بَيْنَهُمَا طَرِيقُ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ عَنْ خَلَفٍ وَطَرِيقُ صَاحِبِ التَّبْصِرَةِ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو وَطَرِيقُ صَاحِبَيِ التَّخْلِيصِ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ، وَطَرِيقُ صَاحِبِ التَّذْكِرَةِ عَنِ الْأَزْرَقِ عَنْ وَرْشٍ. وَنَقُولُ لَكَ فِي الْبَسْمَلَةِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ لِمَنْ بَسْمَلَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ: وَلَا نَقُلْ ثَلَاثَ قِرَاءَاتٍ، وَلَا ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ، وَلَا ثَلَاثَ طُرُقٍ، وَفِي الْوَقْفِ عَلَى {نَسْتَعِينُ} لِلْقِرَاءَةِ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ، وَفِي الْإِدْغَامِ لِأَبِي عَمْرٍو فِي نَحْوِ: {الرَّحِيمِ مَالِكِ} ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ، وَلَا نَقُلْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا رِوَايَاتٌ، وَلَا قِرَاءَاتٌ، وَلَا طُرُقٌ كَمَا نَقُولُ لِكُلٍّ مِنْ أَبِي عَمْرٍو وَابْنِ عَامِرٍ وَيَعْقُوبَ وَالْأَزْرَقِ بَيْنَ السُّورَتَيْنِ ثَلَاثُ طُرُقٍ وَنَقُولُ لِلْأَزْرَقِ فِي نَحْوِ {آمَنَ}، {وَآدَمَ} ثَلَاثُ طُرُقٍ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الطُّرُقِ وَغَيْرِهَا: أَوْجُهٌ أَيْضًا عَلَى سَبِيلِ الْعَدَدِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ. إِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْخِلَافَيْنِ أَنَّ خِلَافَ الْقِرَاءَاتِ وَالرِّوَايَاتِ وَالطُّرُقِ خِلَافُ نَصٍّ وَرِوَايَةٍ، فَلَوْ أَخَلَّ الْقَارِئُ بِشَيْءٍ مِنْهُ كَانَ نَقْصًا فِي الرِّوَايَةِ فَهُوَ وَضِدُّهُ وَاجِبٌ فِي إِكْمَالِ الرِّوَايَةِ، وَخِلَافَ الْأَوْجُهِ لَيْسَ كَذَلِكَ إِذْ هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ ؛ فَبِأَيِّ وَجْهٍ أَتَى الْقَارِئُ أَجْزَأَ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ، وَلَا يَكُونُ إِخْلَالًا بِشَيْءٍ مِنْهَا فَهُوَ وَضِدُّهُ جَائِزٌ فِي الْقِرَاءَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْقَارِئَ مُخَيَّرٌ فِي الْإِتْيَانِ بِأَيِّهِ شَاءَ، وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى هَذَا، وَذَكَرْنَا مَا كَانَ يَخْتَارُ فِيهِ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا وَمَا يَرَاهُ شُيُوخُنَا فِي التَّنْبِيهِ الثَّالِثِ مِنَ الْفَصْلِ السَّابِعِ آخَرَ بَابِ الْبَسْمَلَةِ، وَذَكَرْنَا السَّبَبَ فِي تَكْرَارِ بَعْضِ أَوْجُهِ التَّخْيِيرِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ فَلْيُرَاجَعْ مِنْ هُنَاكَ فَإِنَّهُ تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ يَنْدَفِعُ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْإِشْكَالَاتِ وَيَرْتَفِعُ بِهِ شُبَهُ التَّرْكِيبِ وَالِاحْتِمَالَاتِ- وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
لِلشُّيُوخِ فِي كَيْفِيَّةِ الْأَخْذِ بِالْجَمْعِ مَذْهَبَانِ أَحَدُهُمَا الْجَمْعُ بِالْحَرْفِ، وَهُوَ أَنْ يَشْرَعَ الْقَارِئُ فِي الْقِرَاءَةِ فَإِذَا مَرَّ بِكَلِمَةٍ فِيهَا خُلْفٌ أُصُولِيٌّ، أَوْ فَرْشِيٌّ أَعَادَ تِلْكَ الْكَلِمَةَ بِمُفْرَدِهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَا فِيهَا مِنَ الْخِلَافِ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُسَوَّغُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَقَفَ وَاسْتَأْنَفَ مَا بَعْدَهَا عَلَى الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وَإِلَّا وَصَلَهَا بِآخِرِ وَجْهٍ انْتَهَى عَلَيْهِ، حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى وَقْفٍ فَيَقِفُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِكَلِمَتَيْنِ كَمَدٍّ مُنْفَصِلٍ وَالسَّكْتِ عَلَى ذِي كَلِمَتَيْنِ وَقَفَ عَلَى الْكَلِمَةِ الثَّانِيَةِ وَاسْتَوْعَبَ الْخِلَافَ ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى مَا بَعْدَهَا عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمِصْرِيِّينَ، وَهُوَ أَوْثَقُ فِي اسْتِيفَاءِ أَوْجُهِ الْخِلَافِ وَأَسْهَلُ فِي الْأَخْذِ وَأَحْضُرُ، وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ رَوْنَقِ الْقِرَاءَةِ وَحُسْنِ أَدَاءِ التِّلَاوَةِ. وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي الْجَمْعُ بِالْوَقْفِ، وَهُوَ إِذَا شَرَعَ الْقَارِئُ بِقِرَاءَةِ مَنْ قَدَّمَهُ لَا يَزَالُ بِذَلِكَ الْوَجْهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى وَقْفٍ يَسُوغُ الِابْتِدَاءُ مِمَّا بَعْدَهُ فَيَقِفُ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى الْقَارِئِ الَّذِي بَعْدَهُ، إِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ خَلْفَهُ فِيمَا قَبْلَهُ، وَلَا يَزَالُ حَتَّى يَقِفَ عَلَى الْوَقْفِ الَّذِي وَقَفَ عَلَيْهِ ثُمَّ يَفْعَلُ بِقَارِئٍ قَارِئٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْخُلْفُ، وَيَبْتَدِئَ بِمَا بَعْدَ ذَلِكَ الْوَقْفِ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّامِيِّينَ، وَهُوَ أَشَدُّ فِي الِاسْتِحْضَارِ وَأَشَدُّ فِي الِاسْتِظْهَارِ وَأَطْوَلُ زَمَانًا، وَأَجْوَدُ إِمْكَانًا، وَبِهِ قَرَأْتُ عَلَى عَامَّةِ مَنْ قَرَأْتُ عَلَيْهِ مِصْرًا وَشَامًا، وَبِهِ آخُذُ وَلَكِنِّي رَكَّبْتُ مِنَ الْمَذْهَبَيْنِ مَذْهَبًا، فَجَاءَ فِي مَحَاسِنِ الْجَمْعِ طِرَازًا مُذَهَّبًا. فَابْتَدِئْ بِالْقَارِئِ وَانْظُرْ إِلَى مَنْ يَكُونُ مِنَ الْقُرَّاءِ أَكْثَرَ مُوَافَقَةً لَهُ فَإِذَا وَصَلْتَ إِلَى كَلِمَتَيْنِ بَيْنَ الْقَارِئِينَ فِيهَا خُلْفٌ وَقَفْتَ وَأَخْرَجْتَهُ مَعَهُ ثُمَّ وَصَلْتَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْوَقْفِ السَّائِغِ جَوَازُهُ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْتَهِيَ الْخِلَافُ، وَلَمَّا رَحَلْتُ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَجْمَعُونَ بِالْحَرْفِ كَمَا قَدَّمْتُ أَوَّلًا فَكُنْتُ أَجْمَعُ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ بِالْوَقْفِ وَأَسْبِقُ الْجَامِعِينَ بِالْحَرْفِ مَعَ مُرَاعَاةِ حُسْنِ الْأَدَاءِ وَكَمَالِ الْقِرَاءَةِ وَسَأُوَضِّحُ ذَلِكَ كُلَّهُ بِأَمْثِلَةٍ يَظْهَرُ لَكَ مِنْهَا الْمَقْصُودُ، وَاللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ. وَكَانَ بَعْضُ النَّاسِ يَخْتَارُ الْجَمْعَ بِالْآيَةِ فَيَشْرَعُ فِي الْآيَةِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى آخِرِهَا ثُمَّ يُعِيدُهَا لِقَارِئٍ قَارِئٍ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْخِلَافُ وَكَأَنَّهُمْ قَصَدُوا بِذَلِكَ فَصْلَ كُلِّ آيَةٍ عَلَى حِدَّتِهَا بِمَا فِيهَا مِنَ الْخِلَافِ لِيَكُونَ أَسْلَمَ مِنَ التَّرْكِيبِ وَأَبْعَدَ مِنَ التَّخْلِيطِ، وَلَا يُخَلِّصُهُمْ ذَلِكَ إِذْ كَثِيرٌ مِنَ الْآيَاتِ لَا يَتِمُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، وَلَا يَحْسُنُ الِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهُ فَكَانَ الَّذِي اخْتَرْنَاهُ هُوَ الْأَوْلَى- وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا قَوْلُ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْدَلُسِيِّ الْقِيجَاطِيِّ فِي قَصِيدَتِهِ التَّكْمِلَةِ الْمُفِيدَةِ الَّتِي أَشَرْنَا إِلَيْهَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِنَا مِمَّا رَوَيْنَاهُ مِنْ كُتُبِ الْقِرَاءَاتِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا: بَابُ كَيْفِيَّةِ الْجَمْعِ بِالْحَرْفِ وَشُرُوطِهِ ثُمَّ قَالَ: عَلَى الْجَمْعِ بِالْحَرْفِ اعْتِمَادُ شُيُوخِنَا *** فَلَمْ أَرَ مِنْهُمْ مَنْ رَأَى عَنْهُ مَعْدِلَا لِأَنَّ أَبَـا عَمْرٍو تَرَقَّاهُ سُلَّمَا *** فَصَارَ لَهُ مَرْقًا إِلَى رُتَبِ الْعُلَا وَلَكِنْ شُرُوطٌ سَبْعَةٌ قَدْ وَفـَوْا بِهَا *** فَحَلُّوا مِنَ الْإِحْسَانِ وَالْحُسْنِ مَنْزِلَا ثُمَّ قَالَ عَقِيبَ ذَلِكَ: كُلُّ مَنْ لَقِيتُ مِنْ كِبَارِ الشُّيُوخِ، وَقَرَأْتُ عَلَيْهِ كَالشَّيْخِ الْجَلِيلِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْغُونٍ وَالشَّيْخِ الْجَلِيلِ أَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَّاخِ وَالشَّيْخِ الْجَلِيلِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي الْحَوْصِ، وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ كَانَ فِي زَمَانِهِمْ إِنَّمَا كَانُوا يَجْمَعُونَ بِالْحَرْفِ لَا بِالْآيَةِ، وَيَقُولُونَ إِنَّهُ كَانَ مَذْهَبَ أَبِي عَمْرٍو يَعْنِي الدَّانِيَّ. قَالَ: وَأَمَّا الشُّرُوطُ السَّبْعَةُ فَتَرِدُ بَعْدَ هَذَا ثُمَّ قَالَ: فَمِنْهَا مَعَالٍ يَرْتَقِي بِارْتِقَائِهَا *** وَمِنْهَا مَعَانٍ يَتَّقِي أَنْ تُبَدَّلَا قَالَ: أَمَّا الْمَعَالِي فَمَا يَتَعَلَّقُ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا الْمَعَانِي فَحَيْثُ كَانَ الْوَقْفُ، أَوِ الْوَصْلُ يُبَدِّلُ أَحَدُهُمَا الْمَعْنَى، أَوْ يُغَيِّرُهُ فَيَجِبُ أَنْ يَتَّقِيَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: فَتَقْدِيسُ قُدُّوسٍ وَتَعْظِيمُ مُرْسَلٍ *** وَتَوْقِيرُ أُسْتَاذٍ حَلَا رَعْيُهَا عُلَا وَوَصْلُ عَذَابٍ لَا يَلِيقُ بِرَحْمَةٍ *** وَفَصْلُ مُضَافٍ لَا يَرُوقُ فَيُفْصَلَا وَإِتْمَامُهُ الْخُلْفَ الَّذِي قَدْ تَلَا بِهِ *** وَيَرْجِعُ لِلْخُلْفِ الَّذِي قَبْلُ أَغْفَلَا وَيَبْدَأُ بِالرَّاوِي الَّذِي بَدَءُوا بِهِ *** وَلَكِنَّ هَذَا رُبَّمَا عُدَّ أَسْهَلَا قَالَ: هَذِهِ الشُّرُوطُ السَّبْعَةُ قَدْ ذُكِرَتْ هُنَا. فَأَوَّلُهَا مَا يَتَعَلَّقُ بِذِكْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ قَبْلَ قَوْلِهِ: {إِلَّا اللَّهُ}، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: {لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي ذَلِكَ فَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ هُوَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ، وَفِي ذِكْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ}، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا} لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ فِي مِثْلِ هَذَا وَإِنْ وَصَلَ هَذَا وَالَّذِي قَبْلَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ فِي قَوْلِهِ: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا}. بِقَوْلِهِ: {لَسْتَ مُرْسَلًا} دُونَ مَا قَبْلَهُ، وَهَذَا هُوَ الشَّرْطُ الثَّانِي، وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ أَنْ يَقِفَ فِي قَوْلِهِ: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ} قَبْلَ قَوْلِهِ: {أَيْدِيهِمْ}، وَفِي قَوْلِهِ: {إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ} كَذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الشَّرْطُ الثَّالِثُ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقِفَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا} حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا بَعْدَهُ، وَكَذَلِكَ {فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا بَعْدَهُ أَيْضًا، وَهَذَا هُوَ الشَّرْطُ الرَّابِعُ. وَأَمَّا قَطْعُ الْمُضَافِ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ فَمَا زَالَ الشُّيُوخُ يَمْنَعُونَ ذَلِكَ حَتَّى كَانُوا يُنْكِرُونَ مَا يَجِدُونَ فِي الْكُتُبِ مِنْ قَوْلِهِمْ عَلَى مِثْلِ {رَحْمَتُ}، {نِعْمَتُ}، وَ{سُنَّتَ}، وَ{جَنَّتُ}، وَ{شَجَرَتَ} وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بِالتَّاءِ، أَوْ بِالْهَاءِ. وَيَقُولُونَ: كَيْفَ يُقَالُ هَذَا، وَقَطْعُ الْمُضَافِ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ لَا يَجُوزُ؟ وَيَقُولُونَ مُعْتَذِرِينَ عَنْهُمْ إِنَّمَا ذَلِكَ لَوْ وَقَعَ الْوَقْفُ لَكَانَ هَذَا. وَأَمَّا أَنْ يَجُوزَ قَطْعُ الْمُضَافِ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ فَلَا، وَهَذَا الشَّرْطُ الْخَامِسُ. وَأَمَّا إِتْمَامُ الْخُلْفِ إِلَى آخِرِهِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ إِذَا قَرَأَ الْقَارِئُ ثُمَّ قَرَأَ بَعْدَهُ الْقَارِئُ الْآخَرُ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ خُلْفٌ إِلَّا أَنَّ يُتِمَّ قِرَاءَةَ الْقَارِئِ الثَّانِي إِلَى انْقِطَاعِ الْآيَةِ ثُمَّ يَسْتَدْرِكُ بَعْدَ ذَلِكَ مَا نَقَصَ مِنْ قِرَاءَةِ الْقَارِئِ الْأَوَّلِ حَذَرًا مِنْ أَنْ يَقْرَأَ، أَوَّلَ الْآيَةِ لِقَارِئٍ وَآخِرَهَا لِآخَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقِفَ بَيْنَهُمَا، وَهَذَا هُوَ الشَّرْطُ السَّادِسُ. وَأَمَّا الشَّرْطُ السَّابِعُ، وَهُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِوَرْشٍ قَبْلَ قَالُونَ وَبِقُنْبُلٍ قَبْلَ الْبَزِّيِّ بِحَسَبِ تَرْتِيبِهِمْ فَهَذَا أَسْهَلُ الْأَوْجُهِ السَّبْعَةِ فَإِنَّ الشُّيُوخَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كَانُوا لَا يَكْرَهُونَ هَذَا كَمَا كَانُوا يَكْرَهُونَ مَا قَبْلَهُ فَيَجُوزُ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ وَلِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا بَدَأَ بِهِ الْمُؤَلِّفُونَ فِي كُتُبِهِمُ انْتَهَى قَوْلُ الْقَيْجَاطِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ نَظْمًا وَنَثْرًا. وَفِي الشَّرْطِ الْأَخِيرِ نَظَرٌ، وَكَذَلِكَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ إِذْ لَيْسَتْ وَافِيَةً بِالْقَصْدِ تَجَنُّبُ مَا لَا يَلِيقُ مِمَّا يُوهِمُ غَيْرَ الْمَعْنَى الْمُرَادِ كَمَا إِذَا وَقَفَ عَلَى قَوْلِهِ: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ}، أَوِ ابْتَدَأَ بِقَوْلِهِ: {وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ}، وَبَلَغَنِي عَنْ شَيْخِ شُيُوخِنَا الْأُسْتَاذِ بَدْرِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ بَضْحَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَانَ كَثِيرَ التَّدْبِيرِ أَنَّ شَخْصًا كَانَ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ فَقَرَأَ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي} وَوَقَفَ وَأَخَذَ يُعِيدُهَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مَرَاتِبَ الْمَدِّ، فَقَالَ لَهُ: يَسْتَأْهِلُ الَّذِي أَبْرَزَ مِثْلَكَ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الَّذِي يُشْتَرَطُ عَلَى جَامِعِي الْقِرَاءَاتِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ لَا بُدَّ مِنْهَا، وَهِيَ رِعَايَةُ الْوَقْفِ، وَالِابْتِدَاءِ، وَحُسْنُ الْأَدَاءِ، وَعَدَمُ التَّرْكِيبِ. وَأَمَّا رِعَايَةُ التَّرْتِيبِ وَالْتِزَامُ تَقْدِيمِ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَا يُشْتَرَطُ، بَلِ الَّذِينَ أَدْرَكْنَاهُمْ مِنَ الْأُسْتَاذَيْنِ الْحُذَّاقِ الْمُسْتَحْضِرِينَ لَا يَعُدُّونَ الْمَاهِرَ إِلَّا مَنْ لَا يَلْتَزِمُ تَقْدِيمَ شَخْصٍ بِعَيْنِهِ وَلَكِنْ مَنْ إِذَا وَقَفَ عَلَى وَجْهٍ لِقَارِئٍ ابْتَدَأَ لِذَلِكَ الْقَارِئِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَبْعَدُ مِنَ التَّرْكِيبِ وَأَمْلَكُ فِي الِاسْتِحْضَارِ وَالتَّدْرِيبِ، وَبَعْضُهُمْ كَانَ يُرَاعِي فِي الْجَمْعِ نَوْعًا آخَرَ، وَهُوَ التَّنَاسُبُ فَكَانَ إِذَا ابْتَدَأَ مَثَلًا بِالْقَصْرِ أَتَى بِالْمُرَتَّبَةِ الَّتِي فَوْقَهُ ثُمَّ كَذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى آخِرِ مَرَاتِبِ الْمَدِّ وَإِنِ ابْتَدَأَ بِالْمَدِّ الْمُشْبَعِ أَتَى بِمَا دُونَهُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى الْقَصْرِ: وَإِنِ ابْتَدَأَ بِالْفَتْحِ أَتَى بَعْدَهُ بِبَيْنَ بَيْنَ ثُمَّ الْمَحْضِ، وَإِنِ ابْتَدَأَ بِالنَّقْلِ أَتَى بَعْدَهُ بِالتَّحْقِيقِ ثُمَّ السَّكْتِ الْقَلِيلِ ثُمَّ مَا فَوْقَهُ وَيُرَاعَى ذَلِكَ طَرْدًا وَعَكْسًا. وَكُنْتُ أُنَوِّعُ بِمِثْلِ هَذِهِ التَّنْوِيعَاتِ حَالَةَ الْجَمْعِ عَلَى أَبِي الْمَعَالِي بْنِ اللَّبَّانِ لِأَنَّهُ كَانَ أَقْوَى مَنْ لَقِيتُ اسْتِحْضَارًا فَكَانَ عَالِمًا بِمَا أَعْمَلُ وَهَذِهِ الطَّرِيقُ لَا تُسْلَكُ إِلَّا مَعَ مَنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ. أَمَّا مَنْ كَانَ ضَعِيفًا فِي الِاسْتِحْضَارِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْلُكَ بِهِ نَوْعًا وَاحِدًا مِنَ التَّرْتِيبِ لَا يَزُولُ عَنْهُ لِيَكُونَ أَقْرَبَ لِلْخَاطِرِ. وَأَوْعَى إِلَى الذِّهْنِ الْحَاضِرِ، وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَرَى تَقْدِيمَ قَالُونَ، أَوَّلًا كَمَا هُوَ مُرَتَّبٌ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ. وَآخَرُونَ يَرَوْنَ تَقْدِيمَ وَرْشٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ مِنْ أَجْلِ انْفِرَادِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَاتِهِ عَنْ بَاقِي الرُّوَاةِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْخِلَافِ كَالْمَدِّ وَالنَّقْلِ وَالتَّرْقِيقِ وَالتَّغْلِيظِ فَإِنَّهُ يُبْتَدَأُ لَهُ غَالِبًا بِالْمَدِّ الطَّوِيلِ فِي نَحْوِ: {آدَمَ}، وَ{آمَنَ}، وَ{إِيمَانٍ} وَنَحْوَهُ مِمَّا يَكْثُرُ دَوْرُهُ، ثُمَّ بِالتَّوَسُّطِ، ثُمَّ بِالْقَصْرِ فَيَخْرُجُ مَعَ قَصْرِهِ فِي الْغَالِبِ سَائِرُ الْقُرَّاءِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحِ يَظْهَرُ فِي الِاخْتِيَارِ. وَهَذَا الَّذِي أَخْتَارُهُ، أَمَّا إِذَا أَخَذْتَ بِالتَّرْتِيبِ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ أَقْرَأْ بِسِوَاهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ شُيُوخِي بِالشَّامِ وَمِصْرَ وَالْحِجَازِ وَالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ، وَعَلَى هَذَا الْحُكْمِ إِذَا قُدِّمَ وَرْشٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَزْرَقِ يُتْبَعُ بِطَرِيقِ الْأَصْبَهَانِيِّ، ثُمَّ بَقَالُونَ، ثُمَّ بِأَبِي جَعْفَرٍ، ثُمَّ بِابْنِ كَثِيرٍ، ثُمَّ بِأَبِي عَمْرٍو، ثُمَّ يَعْقُوبَ ثُمَّ ابْنِ عَامِرٍ، ثُمَّ عَاصِمٍ، ثُمَّ حَمْزَةَ، ثُمَّ الْكِسَائِيِّ، ثُمَّ خَلَفٍ، وَيُقَدِّمُ عَنْ كُلِّ شَيْخٍ الرَّاوِي الْمُقَدَّمُ فِي الْكِتَابِ، وَلَا يَنْتَقِلُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ حَتَّى يُكْمِلَ مَنْ قَبْلُ، وَكَذَلِكَ كَانَ الْحُذَّاقُ مِنَ الشُّيُوخِ إِذَا انْتَقَلَ شَخْصٌ إِلَى قِرَاءَةٍ قَبْلَ إِتْمَامِ مَا قَبْلَهَا لَا يَدَعُونَهُ يَنْتَقِلُ حِفْظًا لِرِعَايَةِ التَّرْتِيبِ وَقَصْدًا لِاسْتِدْرَاكِ الْقَارِئِ مَا فَاتَهُ قَبْلَ اشْتِغَالِ خَاطِرِهِ بِغَيْرِهِ وَظَنِّهِ أَنَّهُ قَرَأَهُ. فَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا لَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَضْرِبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ خَفِيفًا لِيَتَفَطَّنَ الْقَارِئُ مَا فَاتَهُ فَإِنْ رَجَعَ وَإِلَّا قَالَ: مَا وَصَلْتَ. يَعْنِي إِلَى هَذَا الَّذِي تَقْرَأُ لَهُ فَإِنْ تَفَطَّنَ وَإِلَّا صَبَرَ عَلَيْهِ حَتَّى يَذْكُرَهُ فِي نَفْسِهِ فَإِنْ عَجَزَ قَالَ الشَّيْخُ لَهُ. وَكَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يَصْبِرُ عَلَى الْقَارِئِ حَتَّى يُكْمِلَ الْأَوْجُهَ فِي زَعْمِهِ وَيَنْتَقِلَ فِي الْقِرَاءَةِ إِلَى مَا بَعْدُ فَيَقُولُ مَا فَرَغْتَ. وَكَانَ بَعْضُ شُيُوخِنَا يَتْرُكُ الْقَارِئَ يَقْطَعُ الْقِرَاءَةَ فِي مَوْضِعٍ يَقِفُ حَتَّى يَعُودَ وَيَتَفَكَّرَ مِنْ نَفْسِهِ وَكَانَ ابْنُ يَصْخَانَ إِذَا رَدَّ عَلَى الْقَارِئِ شَيْئًا فَاتَهُ فَلَمْ يُعَرِّفْهُ كُتُبَهُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ فَإِذَا أَكْمَلَ الْخَتْمَةَ وَطَلَبَ الْإِجَازَةَ سَأَلَهُ عَنْ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ مَوْضِعًا مَوْضِعًا فَإِنْ عَرَفَهَا أَجَازَهُ وَإِلَّا تَرَكَهُ يَجْمَعُ خَتْمَةً أُخْرَى وَيَفْعَلُ مَعَهُ كَمَا فَعَلَ أَوَّلًا. وَذَلِكَ كُلُّهُ حِرْصٌ مِنْهُمْ عَلَى الْإِفَادَةِ وَتَحْرِيضٌ لِلطَّالِبِ عَلَى التَّرَقِّي وَالزِّيَادَةِ، فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ. فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ فَصَلَّى كَمَا صَلَّى، ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ- ثَلَاثًا- فَقَالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ..... الْحَدِيثَ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهُ مِنْ أَوَّلِ مَرَّةٍ، وَلَكِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَدَ أَنْ يُنَبِّهَهُ وَيُنَبِّهَ بِهِ وَيَكُونَ أَرْسَخَ فِي حِفْظِهِ وَأَبْلَغَ فِي ذِكْرِهِ وَحَيْثُ انْتَهَى الْحَالُ إِلَى هُنَا فَنَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا فَرْشَ الْحُرُوفِ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
|